وصل رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، إلى العاصمة المؤقتة عدن، يرافقه رئيس الحكومة الجديد، سالم صالح بن بريك، في وقت تشهد فيه المدينة والمحافظات المحررة احتجاجات شعبية ونسوية واسعة، تندد بتردي الأوضاع المعيشية وانهيار الخدمات، وعلى رأسها الكهرباء والمياه.
تأتي عودة العليمي إلى عدن عقب زيارة رسمية إلى موسكو، التقى خلالها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكبار المسؤولين الروس، في إطار مساعٍ دبلوماسية لدعم المسار السياسي والاقتصادي في اليمن. وتُعد زيارة عدن اختبارًا مباشرًا لقيادة الدولة في مواجهة أزمات الداخل المتراكمة.
تدهور شامل وغضب يتصاعد
تشهد عدن منذ أسابيع تصاعداً في الاحتجاجات الشعبية، أبرزها مظاهرات نسائية غير مسبوقة اتخذت شعار "ثورة النسوان"، حيث خرجت النساء من مختلف الأعمار والفئات في احتجاجات حاشدة تطالب بتحسين الكهرباء والمياه والصحة والتعليم، في ظل انقطاع التيار الكهربائي لنحو 16 ساعة يومياً، ودرجات حرارة مرتفعة تقارب الخمسين مئوية في بعض الأيام.
وتوسعت رقعة هذه المظاهرات لتصل إلى تعز، أكبر المحافظات من حيث الكثافة السكانية، حيث تشهد هي الأخرى انهياراً حاداً في الخدمات وانقطاعاً للرواتب. وقد وحّدت المعاناة صوت الشارع النسوي بين المدينتين، اللتين تعيشان أوضاعاً متشابهة رغم اختلاف الجهات المسيطرة عليهما.
النساء في الواجهة.. من الصمت إلى الهتاف
تميزت هذه الحركة الاحتجاجية بطابعها النسائي اللافت، إذ خرجت النساء في ذروة فصل الصيف حاملات لافتات تطالب بحقوق أساسية، ورافضات للواقع المعيشي الصعب. وتجاوزت هذه الاحتجاجات الجانب المطلبي، لتتحول إلى صرخة سياسية ومجتمعية ضد التهميش والعجز الحكومي.
واعتبر مراقبون هذه الحركة النسائية بمثابة ثورة اجتماعية تحمل دلالات غير تقليدية في مجتمع محافظ، مشيرين إلى أن "ثورة النسوان" باتت تعبيرًا عن حالة انسداد عام في الأفق السياسي والمعيشي.
الحكومة تستمع.. ولكن لا حلول في الأفق
من المتوقع أن يعقد العليمي سلسلة اجتماعات مع الحكومة، والسلطات المحلية، والجهات المعنية، لمناقشة خطط إصلاحية وسبل تحسين الموارد واحتواء التدهور الاقتصادي والخدمي، خصوصاً في قطاعي الكهرباء والمياه.
ورغم التصريحات المتكررة، لم يلمس الشارع حتى الآن أي تحسن فعلي، ما يُبقي الاحتجاجات قائمة.
وفي خطابه بمناسبة الذكرى الـ35 للوحدة اليمنية، أبدى العليمي تفهمًا لمطالب النساء، كما عبّر رئيس الوزراء بن بريك عن تعاطفه مع المطالب في تغريدة، لكن دون إجراءات ملموسة.
الانتقالي في موقف متناقض والأحزاب غائبة
ظهر المجلس الانتقالي الجنوبي في موقف مرتبك حيال هذه الاحتجاجات، إذ عبّر عن دعمه لمطالب المتظاهرات، لكنه في الوقت ذاته استخدم قواته الأمنية لقمع التجمعات النسائية في عدن، وفرض قيودًا مشددة على التجمهر.
أما الأحزاب السياسية، فقد التزمت الصمت، في موقف يراه كثيرون انعكاسًا لحالة العزلة التي تعيشها الأحزاب عن الشارع، وعجزها عن تمثيل صوت المواطن.
ثورة نسوية بنَفَس مجتمعي
نجحت النساء في كسر حاجز الخوف، وإيصال صوتهن للمجتمع المحلي والدولي، متحديات القيود المفروضة، والاعتداءات الأمنية التي طالت بعض المشارِكات. وقد أصدر المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تقريرًا أدان فيه ما وصفه بـ"الانتهاكات بحق المتظاهرات في عدن".
تعد هذه الثورة النسوية حالة غير مسبوقة في المشهد اليمني، وتحمل دلالات على عمق الأزمة، ومستوى الاحتقان الشعبي، ومن المرجح استمرارها في ظل غياب المعالجات الجذرية وتردي أداء مؤسسات الدولة.