صوت النساء في زمن الحرب.. التظاهرات النسوية في عدن وتعز تتحدى القمع وتطالب بالحقوق

تقارير

 

من بين ركام الحرب وغبار المعارك السياسية، خرجت النساء في عدن وتعز إلى الشارع، لا يطلبن حماية فحسب، بل يرفعن الصوت عاليًا في وجه الظلم والتهميش، في مشهد نادر يجمع بين الجرأة المدنية والغضب الشعبي.

هي تظاهرات نسوية، لكنها ليست عابرة، ولا صرخة في فراغ، بل تعبير عن وعي متزايد بدور المرأة في التغيير، ومؤشر على اتساع الهوة بين تطلعات الناس وسلوك من بيدهم الأمر.

 

عدن: صرخة ضد القمع والاختفاءات القسرية

في العاصمة المؤقتة عدن، خرجت عشرات النساء مطلع الأسبوع الماضي في تظاهرة حاشدة أمام مقر وزارة الداخلية، ورفعن لافتات تطالب بالكشف عن مصير ذويهن المختطفين في السجون السرية التابعة لتشكيلات أمنية مدعومة من الإمارات.

 

لم تكن هذه التظاهرة الأولى، لكنها جاءت وسط تصاعد القمع الأمني ومحاولات حثيثة لإخماد أي حراك مجتمعي مستقل. إذ واجهت المتظاهرات مضايقات من قوات أمنية حاولت فضّ الاحتجاج، فيما أفادت ناشطات بتعرض عدد منهن للضرب والاعتقال المؤقت، وسط صمت رسمي مطبق.

 

وتؤكد منظمات حقوقية، بينها “رايتس رادار” و”مواطنة”، أن هذه التظاهرات تمثل امتدادًا لجهود نسوية حقوقية ممتدة منذ سنوات، تطالب بإنهاء ظاهرة الإخفاء القسري والانتهاكات ضد المعتقلين، مشيرة إلى وجود أكثر من 250 حالة اختفاء قسري موثقة في عدن وحدها منذ عام 2016.

 

تعز: الغضب من غياب الدولة وجرائم الاغتيال

وفي تعز، المدينة التي تُعرف بنشاطها المدني والسياسي رغم الحصار، خرجت مسيرة نسوية حاشدة تنديدًا بجريمة اغتيال الطفلة “روان المطري” وارتفاع وتيرة جرائم القتل والانفلات الأمني. رفعت النساء صور الضحايا، وطالبن بوقف مسلسل الفوضى الأمنية ومحاسبة المتورطين، لا سيما أولئك الذين تربطهم علاقات بفصائل عسكرية داخل المدينة.

 

وقد عبّرت التظاهرة عن سخط واسع من أداء الأجهزة الأمنية والسلطة المحلية، واتهمت المحتجات الجهات النافذة بإفشال تحقيقات سابقة، وحماية المتهمين، في سياق تغول جماعات مسلحة خارجة عن القانون.

 

تقول الناشطة “أمل الحاج” في حديث لـ”إيجاز برس”: “لقد دفعنا ثمناً باهظًا لصمتنا، وحين نكسر الجدار، لا نفعل ذلك من أجل النساء فقط، بل من أجل مستقبل هذه المدينة”.

 

الدلالات والقراءة السياسية

تظاهرات النساء في عدن وتعز تتجاوز الطابع الحقوقي، وتمثل مؤشرًا على حالة الغليان الشعبي من تدهور الأوضاع، خاصة في ظل صراع القوى داخل الشرعية وخارجها، واستمرار التدخلات الإقليمية التي عمّقت الانقسام وعرقلت قيام مؤسسات فاعلة.

 

وتمثل هذه التحركات النسوية تحديًا للهيمنة الذكورية في الفضاء العام، ورسالة مفادها أن المرأة اليمنية لم تعد تنتظر من يمنحها صوتًا، بل تنتزعه وسط صخب البنادق.

 

ويرى مراقبون أن مشاركة النساء في الحراك الاحتجاجي في بيئة شديدة التعقيد مثل عدن وتعز، يُعد فعلًا ثوريًا، يحمل أبعادًا اجتماعية وسياسية، ويُحرج السلطات التي طالما تغنت بدعمها لحقوق المرأة، لكنها تصم الآذان حين تصرخ الضحية.

 

ردود الأفعال

قوبلت التظاهرات بصمت رسمي من الحكومة المعترف بها دوليًا، في حين اكتفت بعض القيادات المحلية بتصريحات عامة حول “أهمية احترام حرية التعبير”. أما في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد انقسم الرأي العام بين مؤيد يرى في هذه التظاهرات تعبيرًا عن وعي مجتمعي ناضج، وبين آخرين اتهموا الناشطات بتسييس الملف الإنساني وخدمة أجندات خارجية.

 

المرأة اليمنية، التي طالما وُضعت على هامش المعادلة السياسية، تعود اليوم لتعيد صياغة المشهد بطرق جديدة، بعيدًا عن البيانات والمؤتمرات. إنها تسير في الشارع، تلوّح بصورة ابنها المختفي، أو ترفع لافتةً باسم الضحية، وتصرخ: “لن نصمت بعد الآن”.

 

في عدن وتعز، وفي سائر مدن اليمن، يتشكل وعي جديد، تكتبه النساء بدموعهن ومواقفهن، في زمن يبدو فيه الصوت وحده مقاومة، والوجود فعل تحدٍ.