في لحظة فارقة من التحولات الإقليمية والدولية، ومع تصاعد الحاجة اليمنية لإعادة تموضعها في خارطة العلاقات الدولية، جاءت زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد محمد العليمي، إلى العاصمة الروسية موسكو، كحدث محوري أعاد تسليط الضوء على الدور اليمني الغائب في السياسة الروسية منذ سنوات.
الزيارة، التي تمّت بدعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لم تكن مجرد محطة بروتوكولية، بل حملت في طياتها رسائل سياسية متعددة، وأثمرت عن سلسلة من اللقاءات والمباحثات التي أعادت دفء العلاقات بين صنعاء وموسكو، بعد فترة من الجمود الظاهري.
لقاء القمة.. تثبيت الموقف ودعم السيادة
في قصر الكرملين، عقد الرئيس العليمي لقاءً وُصف بأنه استثنائي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. اللقاء الذي غلب عليه الطابع الاستراتيجي، أكد خلاله بوتين موقف بلاده الثابت تجاه وحدة اليمن وسلامة أراضيه، مشددًا على ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل في البلاد، على قاعدة احترام إرادة اليمنيين، ودون تدخل خارجي.
من جانبه، قدّم العليمي عرضًا شاملًا لتطورات المشهد اليمني، وجهود مجلس القيادة الرئاسي في استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء الانقلاب الحوثي، مجددًا التزام الحكومة اليمنية بالمرجعيات الثلاث كمدخل لا غنى عنه للسلام.
كما دعا روسيا إلى الاضطلاع بدور أكثر فاعلية في مجلس الأمن، والضغط على الأطراف المعرقلة للعملية السياسية، وفي مقدمتها الحوثيون وداعمهم الإقليمي إيران.
الدوما والخارجية والدفاع.. خارطة تفاهم متعدد الاتجاهات
وفي إطار توسيع نطاق الحوار، عقد الرئيس العليمي والوفد المرافق له لقاءات رفيعة مع رئيس مجلس الدوما الروسي، فياتشيسلاف فولودين، حيث بحث الجانبان آليات تعزيز التعاون البرلماني، وسبل إعادة تفعيل الاتفاقيات الثنائية المبرمة في فترات سابقة، خاصة في مجالات التعليم العالي والتدريب الفني والثقافي.
كما التقى الوفد اليمني بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حيث ناقشا التطورات الإقليمية والدولية، وتأثيرها على مسار الحرب في اليمن، إضافة إلى الجهود الدولية لوقف التصعيد. وأكد الجانب اليمني أهمية الموقف الروسي في المحافل الدولية، لا سيما في ظل ما تواجهه الحكومة اليمنية من تحديات سياسية وعسكرية وإنسانية متشابكة.
وفي وزارة الدفاع، نوقشت ملفات التعاون العسكري، والدعم الفني، وإمكانية إعادة تفعيل برامج التدريب والتسليح السابقة، بما يعزز قدرات الجيش اليمني في مواجهة التحديات الأمنية، خاصة في ظل تعقيدات الحرب المستمرة في البلاد.
المكاسب السياسية والدبلوماسية
أعادت زيارة العليمي إلى روسيا الاعتبار للحضور اليمني على طاولة القوى الكبرى، وكسرت نمط التهميش الدبلوماسي الذي لازم الملف اليمني في دوائر القرار الروسي طيلة السنوات الماضية.
كما أكدت أن السياسة اليمنية الرسمية قادرة على التوازن والمرونة، وأنها لا ترتهن لمحور أو تُقصي شريكًا دوليًا عن الفعل المؤثر في المشهد اليمني.
ولعل أحد أبرز مؤشرات نجاح الزيارة هو تأكيد الجانب الروسي - في أكثر من مناسبة - دعمه لشرعية مجلس القيادة الرئاسي، ورفضه لأي تغييرات مفروضة بقوة السلاح أو الدعم الخارجي.
زيارة في التوقيت الصعب.. واستعادة الدور الممكن
في زمن التصدعات الإقليمية، والمقاربات المتبدّلة، تحمل زيارة الرئيس العليمي إلى روسيا بعدًا استراتيجيًا، كونها لا تسعى فقط إلى كسب التأييد، بل إلى ترميم علاقات تاريخية وبناء شراكات قائمة على المصالح المشتركة. هي زيارة حملت اليمن من هوامش الصراع إلى واجهة الحوار الدولي، ومن قوقعة العزلة إلى رحابة التفاعل متعدد الأبعاد.
في المحصلة لم تكن موسكو بالنسبة للعليمي محطة عابرة، بل نقطة ارتكاز ضرورية في زمن تراجعت فيه بعض العواصم عن الالتزام السياسي أو الأخلاقي تجاه اليمن. وقد أعاد صوت الدولة اليمنية في الكرملين التأكيد على أن معركة اليمن ليست فقط بالسلاح، بل بالدبلوماسية المتزنة، والتموضع الذكي، والانفتاح الواعي على الجميع.