في اليمن ليست الوحدة مجرد قصيدة وطنية تتغنى بها الإذاعات، ولا صورة مؤطرة لرئيسين تصافحا فوق ركام ماض انشطاري، إنها الجدار الأخير الذي تتكسر عليه نصال التشظي ومقاصل المشاريع الصغيرة التي تجر الوطن إلى ما قبل الميلاد السياسي.
في الذكرى الخامسة والثلاثين للوحدة اليمنية، يصعد صوت من فوق منصات التشرذم، يقول فيه رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إن الوحدة ليست فقط ما حدث في 22 مايو 1990، بل ما يجب أن يحدث كل يوم مبادرات خلاقة، وعهد متجدد، وخطاب إعلامي موحد، لا يرتدي رداء الشرعية حين يشاء، ثم يخلعه على بوابة الاصطفاف الضيق.
والوحدة التي ينشدها اليمنيون لا تُبنى بالخطب، بل بمؤسسات عادلة، وسلطات مستقلة، وحكم راشد يوزع فرص الدولة كما توزع الشمس دفئها بلا تمييز، وحدة كل اليمنيين حين تعاد كتابة العقد الاجتماعي بأيد نظيفة، وألسنة ناطقة بالحق، لا بالتحريض.
لكن الطريق إلى هذه الوحدة ليس مفروشا بأغاني عبدالباسط عبسي، فثمة قضية جنوبية تختنق منذ حرب 1994، وتمثل اليوم صمام الأمان لأي تسوية سياسية.
وبين ماض يتشح بثنائية الانقسام ومحاولات لم تكتمل، وحاضر تتنازعه خرائط البنادق، تتوزع مراحل الوحدة اليمنية على ثلاث محطات، ما قبل 1990 دولتان، كلّ منهما يحمل مشروعا وذاكرة، الشمال جمهوري تقليدي، والجنوب اشتراكي متمرّد.
إعلان الوحدة في 22 مايو 1990، تم الزفاف الرسمي، ولكن دون عقد زواج دائم، فسرعان ما دخلت الخلافات، واختلط العسل بالعلقم.
أما ماتلى الوحدة من حرب 1994 إلى ثورة 2011، فحوثي لا يعترف بالوطن إلا إذا كان دربًا نحو الكهف، ومجلسٍ انتقاليٍّ جنوبي يرى في الانفصال مفتاح الخلاص من تاريخٍ لم ينصفه.
ورغم كل هذا، لا تزال الوحدة قائمة، لا كما يتخيلها البعض، بل كما هي: مجروحة لكنها لم تسقط. مقسّمة بالجغرافيا، لكنها متماسكة في الضمير الوطني. يتفق العالم على أنها أفضل الممكن، ويختلف الداخل على شكلها وألوانها وتوزيع مواردها.
فالوحدة ليست المعضلة، بل طريقة إدارتها. ليست الخطر، بل من يريدها مغنماً لطرف دون طرف. أما مشاريع التفكيك، فهي كالألعاب النارية في فضاء مظلم: تُبهر للحظة، ثم تذوي، ويظل الليل سيد المكان.
ما نحتاجه ليس التباكي على أطلال الوحدة، بل إعادة بنائها على أسسٍ تليق بشعبٍ بحجم اليمن. مصالحة شاملة، عدالة انتقالية، دولة لليمنيين كلهم، لا يمنٌ للصعدة ولا آخر لعدن. وحدة تُكتب بمداد المواطنة، لا بحبر الغلبة.
ختاما… إن كنتم تؤمنون بالوطن، فكونوا معه موحدين كما كنتم ذات يوم في مايو، لا متقابلين كما أنتم اليوم في الميادين.