"بلا جنسية بين عشية وضحاها": حملة قمع استبدادية تجرد 42 ألف كويتي من جنسيتهم ‏

عربية

‏ ‏اتخذت الكويت منحى استبدادياً بشكل واضح منذ تولي الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح، البالغ من العمر 84 عاماً، الحكم في ديسمبر 2023. 

‏أكد الأمير أنه لن يسمح “باستغلال الديمقراطية لتدمير الدولة”، حيث قام بتعليق عمل البرلمان في 10 مايو من العام الماضي، وأعلن عن مراجعة الدستور بهدف إنهاء الجمود السياسي، الذي يقول إنه شلّ الكويت لعقود.

‏وتم اعتقال عدة أشخاص انتقدوا هذه المبادرة، كما تمت مقاضاة أعضاء في البرلمان في موجة قمع نددت بها منظمة العفو الدولية.

‏ومنذ سبتمبر، تم سحب الجنسية من ما يقرب من 42 ألف مواطن كويتي، في تحول جذري للسياسة المتبعة في البلاد، وكانت الكويت، مثل غيرها من الملكيات الخليجية، قد استخدمت إسقاط الجنسية في السابق بشكل متقطع وبموجب أحكام قضائية، وأحياناً ضد المعارضين السياسيين أو المتهمين بالإرهاب، مثل المحتجزين في القاعدة الأمريكية في غوانتانامو بكوبا.

‏وقد أدى إقرار تعديل تشريعي في ديسمبر يسمح بإسقاط الجنسية في حالات “سوء السلوك الأخلاقي أو عدم الأمانة، أو بسبب أعمال تهدد أمن الدولة، بما في ذلك انتقاد الأمير أو الشخصيات الدينية”، إلى توسيع نطاق إسقاط الجنسية.

‏وتتولى لجنة عليا برئاسة وزير الداخلية مراجعة الحالات لتحديد من له حق قانوني في الجنسية الكويتية، وتنشر أسماء الأشخاص الذين تم تجريدهم من جنسيتهم أسبوعياً، حيث يتابع الكويتيون القلقون القوائم بحثاً عن أسمائهم أو أسماء أقاربهم، وفقاً لما أفادت به صحيفة فايننشال تايمز.

‏الزوجات الكويتيات ‏في السادس مارس، تم سحب الجنسية من 464 مواطناً في يوم واحد فقط، من بينهم 12 شخصاً متهمين بـ”حيازة جنسية مزدوجة بشكل غير قانوني” و451 شخصاً وُصفوا بأنهم “مذنبون بالتزوير والاحتيال”، وفقاً لما ذكره موقع الشرق الأوسط الإخباري “المونيتور”.

‏لا تسمح الكويت بازدواج الجنسية، لذلك يُطلب من الذين يحصلون على الجنسية الكويتية التخلي عن جنسيتهم الأصلية.

‏وقد استُهدف بشكل خاص المجنسون الكويتيون، لا سيما النساء اللاتي حصلن على الجنسية بعد الزواج من كويتي، وقد وجدن أنفسهن بعد سحب الجنسية منهن، عديمات الجنسية ومحرومات من الحقوق الأساسية –حيث لم يعد بإمكانهن على سبيل المثال، الوصول إلى الرعاية الصحية الحكومية أو تجديد تسجيل أطفالهن في المدارس الحكومية.

‏لا يتمتع غير الكويتيين بالمزايا السخية لنظام الرعاية الاجتماعية في هذه الدولة النفطية الغنية، كما أنهم لا يستطيعون امتلاك الأراضي أو الحصول على حصة الأغلبية في الشركات، وبعض الذين فقدوا جنسيتهم أفادوا بإلغاء رخص قيادتهم أو تقييد وصولهم إلى حساباتهم المصرفية.

‏وتقول كلير بوغراند، الباحثة في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS) بجامعة باريس دوفين-PSL: “إن سرعة هذه الإجراءات وحجم المتأثرين بها غير مسبوق في الكويت. الحكومة تتصرف بطريقة عشوائية". 

‏وحاولت الحكومة في ديسمبر تهدئة الموقف فيما يخص الزوجات المجنسات بعد الزواج، واعدةً بإعادة رواتبهن ومزاياهن الاجتماعية وذلك لمواجهة القلق الشعبي المتزايد بسبب حملة سحب الجنسية. 

‏“عديمو الجنسية بين عشية وضحاها” ‏تؤثر القوانين الجديدة الخاصة بالجنسية على جميع فئات المجتمع، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز. 

‏وسلطت الصحيفة البريطانية الضوء على قصة فيصل، وهو رجل أعمال كويتي، الذي أصيب باليأس بعد أن تم مصادرة جواز سفره في المطار بينما كان يستعد للسفر، وقال إنه لم يُعطَ أي سبب للخطوة بحقه، لكنه اكتشف لاحقاً أن والده، وهو كويتي مجنس، قد جُرّدت جنسيته أيضاً. 

‏وقال فيصل: “جعلوني عديم الجنسية بين عشية وضحاها… اليوم، كل ما أفكر فيه هو المغادرة والاستقرار في دبي". 

‏كما شملت قرارات إسقاط الجنسية بعض أعضاء المعارضة السياسية، وتقول كلير بوغراند: “هناك شائعات في الكويت تفيد بأنه، تحت غطاء الإجراءات الإدارية ضد المجنسين ‘المزيفين’، استُهدفت فئات من القبائل التي تعتبرها السلطات ‘غير موالية’"، وغالباً ما يكون هؤلاء الأشخاص منتمين إلى المعارضة البرلمانية.

‏البدون: فئة أخرى من عديمي الجنسية ‏تذكّر حملة إسقاط الجنسية أيضاً بفئة أخرى من عديمي الجنسية في الكويت، وهي فئة البدون، وهم في الغالب من أحفاد القبائل البدوية. 

‏وكلمة “بدون” تعني حرفياً “من دون جنسية”، حيث لم يتمكنوا مطلقاً من إثبات أنهم كويتيون وظلوا عالقين في فراغ قانوني لعدة أجيال.

‏يتم التعامل مع طلباتهم للحصول على الجنسية من خلال مؤسسة خاصة لا تعتبرهم مواطنين ولا مقيمين أجانب شرعيين، وبسبب هذا الوضع غير المستقر، يُحرمون من الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يتمتع بها بقية السكان.

‏ويُقدَّر عدد البدون في الكويت بحوالي مئة ألف شخص.

‏الخطاب المعادي للأجانب ‏تستخدم الحكومة أحياناً خطاباً معادياً للأجانب لتبرير حملتها ضد الأجانب، ويشبه الخطاب المستخدم من قبل اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وأوروبا – لا سيما التحذير من أن “المجرمين الأجانب يستغلون المزايا السخية لنظام الرفاه الكويتي، ويجب معاقبتهم". 

‏وقال وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف، في مقابلة مع تلفزيون الراي الكويتي في مارس: “لقد تم اختطاف الكويت من قبل جنسيات أخرى… لن أذكر هذه الجنسيات، لكن هناك جنسيات غريبة عن المجتمع الكويتي – عن حياته الاجتماعية، ولغته، وطباعه، وعلاقاته الاجتماعية"، وأضاف أن هناك خطراً يهدد “الطبيعة الأصيلة” للمجتمع الكويتي ويؤدي إلى “اختلاط الأنساب". 

‏كما فتحت الحكومة خطاً ساخناً لتشجيع الكويتيين على الإبلاغ عن مزدوجي الجنسية والتبليغ عن أي شخص يشتبهون في أنه حصل على وثائق مزورة لاكتساب الجنسية الكويتية.

‏الاقتصاد الكويتي المتعثر ‏كما تقدم الحكومة مبررات اقتصادية لحملتها، وهي حجج تتكرر أحياناً في وسائل الإعلام.

‏تقول كلير بوغراند: “تصوّر الحكومة والصحافة هذه الإجراءات على أنها وسيلة لتقليل الإنفاق الحكومي من خلال تقليص عدد المواطنين المستفيدين من المزايا السخية التي يوفرها نظام الرفاه الكويتي". 

‏وتشعر السلطات الكويتية وأمام حالة الركود الاقتصادي، بالقلق من أنها تتخلف عن جيرانها في الخليج، الذين نجحوا في تنويع اقتصاداتهم بعيداً عن الاعتماد على النفط.

‏وتضيف بوغراند: “عندما تولى الأمير الحكم، وعد بإطلاق إصلاحات اقتصادية لتعزيز النمو"، لكن منذ أن حل البرلمان، ورغم الوعود بالإصلاحات، فإن ما نشهده في الغالب هو قرارات إسقاط الجنسية".