أن تكون صحفيا في زمن المليشيا، فكأنك تكتب ضد الجدار، وتطرق أبواب الوعي بأصابع مكسورة، وتصرخ في فضاء لا صدى فيه سوى القيود. سبعة أشهر مرت على اختطاف الزميل والصديق محمد المياحي، وما يزال في زنازين الحوثيين، لا لشيء إلا لأنه تجرأ أن يكتب، وأن يقول ما لا يريدون سماعه. محمد لم يحمل سلاحا، بل حمل قلما، لم يصدر بيان حرب، بل سطَّر مقالات كانت أشبه بمرايا يراها الناس ويخاف منها المجرمون.
حظ محمد العاثر أنه صحفي، وأنه ينحدر من إحدى مديريات محافظة إب، تلك البلاد التي لا تقيم لها المليشيا العنصرية أي وزن، ولا ترى في إنسانها سوى رقم في الهامش، أو تابع لا يحق له أن يعارض أو يفكر أو يعترض. إب التي صبرت طويلا على الجراح، لا تزال تدفع ثمن وطنيتها في صمت، فيما تُمارس عليها المليشيا كل ألوان التمييز والتهميش والإقصاء.
عرفت محمد كما يعرف الصحفي صوته، نقيّ الفكرة، متقد الضمير، رجل حين يُمسك بالقلم، تُصبح اللغة ذات نبض، والمقال قطعة من روحه، لذلك كان اعتقاله بمثابة اعتداء على المعنى ذاته للصحافة.
وفي زمن تتحكم فيه العصابة بمصير البلاد، لا يعود القلم وسيلة عمل، بل يصبح خطرا، وتتحول الكلمة إلى رصاصة في صدر الكهنوت، لكنهم لا يفهمون، أن المياحي وإن غاب جسده خلف الجدران، فإن كلماته تظل تطوف بيننا، تؤرّق مضاجعهم، وتُوقظ فينا ضميرا كاد ينام.
محمد ليس أول المختطفين من أهل الكلمة، ولن يكون الأخير ما دام العالم يكتفي بالصمت، لكن صمتنا نحن، زملاؤه وقراؤه وأصدقاؤه، سيكون خيانة بحجم القيد الذي كبّل معصمه.
هذه الكلمات ليست فقط تضامنا مع المياحي، بل نداء لكل حر، لكل صحفي لا يزال يظن أن الحياد فضيلة، في زمن الظلم، الحياد خيانة، وفي زمن المليشيا، الكلمة مقاومة.
الحرية لمحمد المياحي… الحرية لكل الصحفيين المعتقلين لأنهم قالوا الحقيقة في زمن صار الصدق فيه تهمة.