حين تخرج البيانات الرسمية من مطابخ الدبلوماسية، يفترض بها أن تعبّر عن الاتزان، والحرص على تهدئة التوتر، لا صبّ الزيت على النار، لكن ما صدر عن وزارة الخارجية العراقية بشأن اللقاء الذي جمع وزير الخارجية اليمني الدكتور شائع الزنداني بنظيره العراقي الدكتور فؤاد حسين، جاء مفاجئا، ومخالفا لأبجديات الأعراف الدبلوماسية، بل ويختزل اللقاء في اعتذار لم يُقدّم، وتنازل لم يُطرح.
البيان العراقي لم يكتف بتحريف مضمون اللقاء، بل حاول فرض تفسير سياسي وأحادي الجانب، لا يتسق لا مع فحوى ما دار، ولا مع الروح التي انعقد بها اللقاء، المتفق عليه سلفا، وما جرى بين الوزيرين كان حوارا شفافا هدفه توضيح الملابسات، لا تقديم فروض الطاعة، كما أرادت بعض الأطراف تصويره.
ومما يثير الاستغراب أن يتحول لقاء رفيع المستوى كهذا إلى فرصة للابتزاز الإعلامي وتسجيل النقاط السياسية، في سلوك لا يليق بمستوى العلاقات بين بلدين تربطهما أواصر تاريخية وشعبية، ولا يعكس أخلاقيات العمل الدبلوماسي، الذي يُفترض أن يُبنى على الثقة لا المفاجآت.
أما بالنسبة لتغريدة وزير الإعلام والثقافة اليمني معمر الإرياني، فقد كانت واضحة، ووجّهت نقدا لموقف منسوب إلى مليشيا الحشد الشعبي، لا إلى الدولة العراقية، ولا إلى شعبها، فمحاولة إلصاقها بالحكومة اليمنية وتحميلها ما لا تحتمل، ليست إلا افتعالا غير مبرر لأزمة لا وجود لها.
وفي هذا السياق، لا بد من التذكير أن أدبيات العمل الدبلوماسي تُحتم احترام حدود التفاهم، والابتعاد عن المزايدات، خصوصا عندما يكون اللقاء في إطار تفاهم خاص، وليس بيان عام، فليس من الحكمة ولا من الحصافة أن يُكشف كل ما دار في لقاء مغلق، ثم يُصاغ على هيئة انتصار لطرف واتهام للآخر.
إن الدبلوماسية لا تُمارس بلغة الإنذارات، ولا تُبنى على الانتظار الدائم للاعتذارات، بل تقوم على احترام الفروق في التعبير، وفهم خلفيات التصريحات، وتقدير النوايا قبل تأويلها بسوء ظن، وفي هذا السياق، فإن لقاء الوزيرين كان أقرب إلى منصة توضيح، لا محكمة سياسية.
وعلى الجميع أن يدرك أن اليمن بلد لا يفرّط بسيادته، ولا يقايض كرامته، كما أنه لا يسمح بتحريف مواقفه أو اقتطاعها من سياقها، وبين الاعتذار والتفاهم، توجد مسافة شاسعة لا يصح لأحد أن يتجاوزها أو يطمسها.
وفي منطقتنا العربية التي تتقاذفها الأزمات من كل اتجاه، يُفترض أن نحمي مساحات الحوار من الانغلاق، لا أن نستثمرها في توتر مجاني، فالدبلوماسية الحقيقية، لا تعني التنازل، بل تعني أحيانا أن تُفهم فقط.