أولًا: من يمثل الجنوب فعلًا؟
يرتكز خطاب المجلس الانتقالي الجنوبي على فرضية مركزية: أنه الممثل الشرعي الوحيد لإرادة الجنوبيين. غير أن مراجعة مسار التمثيل الجنوبي منذ 2007 تكشف فجوة عميقة بين التمثيل المفترض والتمثيل الفعلي.
الحراك الجنوبي، في بداياته، كان طيفًا واسعًا من القوى الاجتماعية والسياسية غير المسلحة اليوم، بات الصوت الأعلى هو صوت القوة العسكرية، لا التعدد السياسي. شخصيات جنوبية بارزة، من حضرموت والمهرة وعدن، عبّرت في مناسبات مختلفة عن رفضها احتكار القضية، معتبرة أن الانتقالي صادر الجنوب بدلًا من تمثيله.
السؤال الاستقصائي هنا:
هل شرعية السلاح يمكن أن تحل محل شرعية التمثيل؟
توثيق:
- Sana’a Center – Southern Yemen: Fragmented Identity https://sanaacenter.org/publications/analysis/11030
ثانيًا: الانفصال غير المُعلن… الدولة التي تعمل بلا اسم
رغم أن الانتقالي لم يُعلن الانفصال رسميًا، إلا أن الوقائع تشير إلى قيام كيان سياسي–أمني موازٍ:
- أجهزة أمنية لا تتبع وزارتي الدفاع والداخلية.
- قرارات إدارية وأمنية تُتخذ خارج الحكومة.
- تعطيل متكرر لعمل مجلس الوزراء في عدن.
- سيطرة فعلية على الموانئ والمطارات والنقاط السيادية.
هذه ليست أدوات ضغط تفاوضي، بل ملامح حكم فعلي بلا إعلان.
توثيق:
- تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة حول اليمن (UN Panel of Experts) https://www.un.org/securitycouncil/content/reports-yemen
ثالثًا: الاقتصاد المسكوت عنه – من يدير الموارد؟
أحد أكثر الملفات تغييبًا في خطاب الانفصال هو الاقتصاد السياسي للجنوب.
التحقيق في مسارات السيطرة يكشف أن النفوذ لا يتوقف عند السياسة والأمن، بل يمتد إلى:
- الموانئ (عدن، المكلا).
- الإيرادات المحلية.
- الجمارك.
- الأراضي العامة.
لا توجد شفافية معلنة حول حجم الإيرادات، ولا آليات رقابة، ولا مؤسسات محاسبة. وهنا يتحول شعار “استعادة الدولة” إلى سؤال أخطر:
أي دولة؟ ومن يملك مفاتيحها الاقتصادية؟
توثيق:
- International Crisis Group – Yemen’s Southern Question https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/yemen
رابعًا: الجنوب المنقسم… الحقيقة التي تُخفيها الرايات
التحقيق في المزاج الجنوبي يُظهر أن:
- حضرموت تطرح مشروع خصوصية لا مشروع انفصال.
- المهرة ترفض العسكرة وتتمسك بالدولة.
- عدن نفسها تشهد تململًا شعبيًا من تدهور الخدمات تحت إدارة الأمر الواقع.
الخطاب الذي يصوّر الجنوب كتلة واحدة هو خطاب تعبوي، لا توصيف واقعي.
وكلما ضاق النقاش، اتسعت الهوة.
توثيق:
- Carnegie Middle East – Southern Yemen and Regional Stakes https://carnegie-mec.org
خامسًا: التموضع الإقليمي – من يملك القرار؟
لا يعمل الانتقالي في فراغ.
التحقيق في خطوط الدعم والتنسيق يُظهر:
- قدرة عسكرية عالية.
- هامش سياسي محدود.
- غياب أي خطوة انفصالية لا تحظى بقبول إقليمي.
وهنا يبرز سؤال محوري:
هل مشروع الانفصال قرار جنوبي مستقل، أم ورقة إقليمية لإدارة الجنوب ومنع خصوم آخرين من السيطرة عليه؟
هذا السؤال لا يطرحه خصوم الانتقالي فقط، بل تطرحه مراكز أبحاث دولية صراحة.
توثيق:
- European Council on Foreign Relations – Yemen & Gulf Politics https://ecfr.eu
سادسًا: التجارب المقارنة… لماذا لا تُناقش؟
في الخطاب الانفصالي، لا مكان لنقاش:
- جنوب السودان بعد الاستقلال.
- كردستان العراق بعد استفتاء 2017.
- كاتالونيا رغم سلميتها.
التجاهل هنا ليس بريئًا. لأنه لو طُرح السؤال الحقيقي:
ماذا بعد الانفصال؟
لانهار الخطاب العاطفي أمام تعقيد الدولة.
الخلاصة الاستقصائية
ما يكشفه هذا التحقيق ليس مجرد مشروع انفصال، بل إدارة نفوذ باسم الانفصال.
القضية الجنوبية تحولت من سؤال عدالة إلى أداة سلطة، ومن مطلب حقوقي إلى غطاء حكم بلا مساءلة.
والسؤال الذي لا يمكن القفز فوقه:
هل يُبنى مستقبل الجنوب بالدولة، أم يُدار بالراية؟
