أزمة اقتصادية حادة تواجه الحكومة اليمنية.. هل تتدخل السعودية والإمارات لإنقاذها ؟

تقارير

 

 

 

تواجه الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أزمة اقتصادية جديدة مع نقص كبير في الموارد بسبب إجراءات جماعة "الحوثي"، وهو ما دعاها لإطلاق نداء طلب مساعدة اقتصادية عاجلة؛ خشية تدهور مالي جديد قد يزيد معاناة اليمنيين.

يأتي هذا في ظل نُذُر أزمة اقتصادية حادة تعيشها اليمن بعد نحو ثمانية أشهر من منع جماعة الحوثي تصدير الخام بعد قصف موانئ التصدير آنذاك، وكذلك معلومات عن قرب نفاد الاحتياطي من النقد الأجنبي، صاحبه تدهور سريع في قيمة العملة اليمنية خلال الأيام الماضية.

وبحسب وكالة الأنباء اليمنية فقد أكدت الحكومة في اجتماع استثنائي عقدته الاثنين (12 يونيو)، "على الدور المعول على الأشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات في هذه المرحلة الحرجة والاستثنائية لدعم جهود وإجراءات الحكومة، وتقديم حزمة دعم عاجلة؛ للمساهمة في تخفيف معاناة المواطنين".

وأضافت الحكومة أن ذلك "ليس تنصلاً" منها من واجباتها، مشيرة إلى الوضع الذي تعيشه المالية العامة للدولة؛ نظراً لتراجع الإيرادات من جراء توقف تصدير النفط الخام وما وصفته بالحرب الاقتصادية التي قالت إن الحوثيين يشنونها ويستهدفون بها الشعب بأكمله.

لماذا السعودية والإمارات؟

وتخصيص الحكومة اليمنية للسعودية والإمارات باعتبارهما الأكثر انخراطاً في الشأن اليمني، وسبق أن تعهدتا قبل أكثر من عام بتقديم ملياري دولار كوديعة دعماً لاقتصاد البلد، عقب القرار الذي أصدره الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي، في أبريل 2022، بتشكيل مجلس قيادة رئاسي ونقل صلاحياته إليه.

وتأخر إعلان تقديم الدعم حتى فبراير من العام الحالي، حين أعلن عن التوقيع على تقديم الوديعة السعودية البالغة مليار دولار، فيما أعلن رئيس الحكومة اليمنية أن الإمارات أودعت ملياراً و100 مليون درهم إماراتي (300 مليون دولار)، في نوفمبر من العام الماضي، كدفعة أولى من الوديعة.

شكوك بشأن نفاد الاحتياطي النقدي

ثلاثة مصادر في الحكومة اليمنية ذكروا، في تقرير لوكالة "رويترز"، قبل أسبوع، أن الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي انخفض بشدة ويقترب من النفاد، وأن التعهدات المالية التي أعلنت عنها السعودية والإمارات قبل عام  لم تصل حتى الآن.

وقالت الوكالة، إن زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في مايو الماضي، إلى أبوظبي كانت بهدف طلب تقديم مبالغ الدعم التي أعلنتها الإمارات، وبأن رئيس الحكومة غادر عدن مطلع الشهر إلى الرياض في مسعى للبحث عن دعم سعودي عاجل.

لكن البنك المركزي اليمني نفى المعلومات بشأن قرب نفاد الاحتياطي النقدي لديه، وقال إنه يمتلك احتياطيات كافية لتغطية نفقة الاستيراد، رغم الصعوبات الكبيرة من جراء فقدان جزء كبير من الإيرادات بسبب توقف تصدير النفط وكذلك إجراءات الحوثيين بحق القطاع الخاص.

ويرى الصحفي اليمني المتخصص في الشأن الاقتصادي، وفيق صالح، أن احتياطي النقد الأجنبي للبنك المركزي اليمني في وضع "حرج للغاية"؛ لأن الصادرات النفطية متوقفة منذ 8 أشهر وعائدات النفط الخام كانت تشكل العائد الوحيد للبنك المركزي من العملة الأجنبية.

وأضاف، في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أنه "من الطبيعي أن يتلاشى الاحتياطي النقدي للبنك المركزي مهما كان حجمه في الحسابات الخارجية للبنك"، موضحاً: "بدون أن يكون هناك ديمومة واستدامة لمصادر البنك المركزي من العملة الصعبة فهذا الاحتياطي سيتلاشى".

ليست أول مناشدة

وهذه ليست المناشدة الوحيدة للحكومة اليمنية، لكنها جاءت هذه المرة بلهجة طلب عاجل خلال اجتماع استثنائي عقدته الحكومة وأعلنت فيه اتخاذ إجراءات إضافية لمواجهة التحديات والصعوبات القائمة في الجوانب الاقتصادية، خاصة تراجع الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الكهرباء، ووقف تراجع العملة الوطنية، وارتفاع أسعار السلع.

ويأتي ذلك في ظل تراجع قيمة الريال اليمني خلال الأسبوع الجاري أمام العملات الأجنبية، حيث اقترب سعر صرف الدولار إلى نحو 1400 ريال في مناطق سيطرة الحكومة، بعد أن كان حوالي 1200 قبل نحو أسبوعين.

لكن اعتماد الحكومة اليمنية على المساعدات لن يكون حلاً دائماً، حيث يقول الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي إنه "لا بد أن يكون هناك معالجات وحلول سريعة في حشد الدعم الدولي والحصول على منح وقروض وهبات دولية".

وأضاف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنه "مهما كان حجم الدعم المرتقب من السعودية والإمارات بدون إصلاحات شاملة ودعم استئناف الصادرات النفطية والغازية، وكذلك عمل إصلاحات هيكلية في المؤسسات الحكومية والقطاعات العامة، ستظل عملية الداعم هذه مجرد مهدئات مؤقتة ولا يعول عليها لإعادة انعاش الوضع الاقتصادي".

 

 

ويعاني الاقتصاد اليمني انهياراً سبّبته أكثر من ثمان سنوات من الحرب، كما يعيش انقساماً اقتصادياً حاداً بين مناطق سيطرة الحكومة اليمنية ومناطق سيطرة الحوثيين، ويشمل ذلك الانقسام في قيمة العملة مع تمسك الحوثيين بالأوراق النقدية القديمة للريال اليمني، وتداول أوراق جديدة في مناطق سيطرة الحكومة؛ وهو ما خلق فجوة كبيرة تصل إلى أكثر من الضعف في تعاملات المواطنين الساكنين في الجانبين.

وفرض الحوثيون إجراءات أمنية على التعاملات الاقتصادية، واستخدمت الأوراق النقدية القديمة من الريال اليمني، ما جعل سعر صرف الدولار في مناطق سيطرتهم يستقر عند نحو 550 ريالاً، في مقابل نحو 1400 ريال للدولار الواحد بمناطق سيطرة الحكومة التي تستخدم الأوراق النقدية الجديدة المطبوعة خلال السنوات الماضية.

وقال محافظ البنك المركزي اليمني، أحمد غالب، في مقابلة بثها التلفزيون الحكومي اليمني يوم الأحد (11 يونيو)، إن البنك المركزي استطاع تحقيق بعض الاستقرار رغم حرمانه من واردات النفط الأساسية للنقد الأجنبي، إضافة إلى حرمانه من جزء كبير من الجمارك والضرائب من جراء فتح ميناء الحديدة غربي اليمن، الذي تسيطر عليه جماعة الحوثيين.

هل هناك ضغوط على اليمن؟

وحتى الآن، ليس هناك أي تعليق من جانب السعودية والإمارات على مناشدات تقديم مساعدات اقتصادية للحكومة اليمنية، فيما تقول وسائل إعلام محلية إن تجاهل تقديم مساعدات يأتي في سبيل الضغط على الحكومة لتقديم تنازلات لجماعة الحوثيين للتوصل إلى اتفاق سياسي مرتقب.

وقال بيان صادر عن خبراء صندوق النقد الدولي، يوم الأربعاء الماضي (7 يونيو 2023)، إن "هناك حاجة ماسة للدعم الخارجي لليمن للتخفيف من ضغوط التمويل، وتقليل التمويل النقدي، وحماية سعر الصرف واستقرار الأسعار الذي تم الحصول عليه بشق الأنفس".

وأضاف البيان الذي جاء بعد لقاءات مستمرة أجراها الخبراء مع مسؤولين اقتصاديين يمنيين ومن المانحين، أن على المانحين استمرار الانخراط لسد الفجوات المتبقية في الاقتصاد مع زيادة توافر التمويل وأن سرعة الدعم تعد أمراً أساسياً.

ومنعت جماعة الحوثي بالقوة الحكومة من تصدير النفط الخام منذ نهاية العام الماضي 2022، وشنت قصفاً بطائرات مسيرة، في نوفمبر الماضي، استهدف موانئ تصدير النفط الرئيسية في حضرموت وشبوة شرقي اليمن؛ لمنع اقتراب ناقلات نفط كانت تنوي تصدير النفط.

وإلى جانب ذلك، أجبر الحوثيون القطاع الخاص على استيراد السلع والبضائع عبر ميناء الحديدة الذي فُتح خلال الأشهر الماضية بعد تفاهمات مع السعودية، ومقاطعة الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة، وهو ما حرم الحكومة من إيرادات قدرها نحو 50 مليار ريال يمني شهرياً بحسب محافظ البنك المركزي أحمد غالب.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في الـ8 من يونيو الجاري، إن الوزير أنطوني بلينكن اجتمع في الرياض مع رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، وعبر عن قلقه من أفعال الحوثيين التي تحول بين اليمنيين والموارد، كما أبلغه أن على أطراف الصراع في اليمن التوصل إلى اتفاق جديد وأكثر شمولاً لإنهاء الحرب.