اللقاء بالشيخ حميد الأحمر يعد استثنائيا والحديث معه ذو شجون، لحضوره الطاغي في المشهد اليمني، كعضو مجلس النواب «البرلمان» وكشيخ قبلي، وكرجل أعمال، وكسياسي مؤثر، وكصاحب نفوذ على مختلف الأصعدة. على الرغم أنه جاء إلى الحياة وفي فمه ملعقة من ذهب، إلا أنه كان، على خلاف أقرانه، منذ وقت مبكر ذو رؤية ثاقبة للحياة وصاحب مشروع خاص، حيث لم يكتف بإرثه السياسي من عائلته القبلية صاحبة النفوذ السياسي الكبير، بل قرّر أن يخوض غمار السياسية عبر بوابة الاقتصاد، إيمانا منه بأن السياسي الفارغ اليد لا يملك قراره.
اليمنيون بدأوا البحث عن مخارج لإنقاذ البلاد من الأيادي الآثمة
كسر تابوهات القبيلة، عبر احترافه للعمل التجاري، الذي كان عيبا على مشائخ القبائل، واخترق محاذير السياسة، بانتقاداته اللاذعة وغير المسبوقة للرئيس الراحل علي عبدالله صالح في أوج قوته والتي كانت تعد خطا أحمر لغيره من السياسيين والكتاب والصحافيين. كان والده الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر يوصف بأنه صانع الرؤساء في اليمن، إثر تزعمه قبيلة حاشد، كبرى القبل اليمنية، ورئيس مجلس النواب، فجاء الشيخ حميد ليرث جزءا من نفوذ والده ويزيد عليها نفوذه المالي، حيث استطاع خلال فترة وجيزة خلق ثالث أكبر مجموعة تجارية في اليمن.
هنا نص الحوار مع الشيخ حميد الأحمر، الذي خصّ به «القدس العربي» والذي لا يخلو من صراحته المعهودة:
○ بداية كيف تنظرون إلى معركة مأرب، وهل تعتقدون أنها يمكن أن ترسم معالم مستقبل اليمن؟ • مأرب قلعة الجمهورية وأهم حصون الشرعية ومعركتها هي معركة الدفاع عن المشروع الوطني وعن الجمهورية والحوثي ومن يقف ورائه يحاولوا بإستماتة الوصول إلى مأرب غير مكترثين بدماء اليمنيين لكن بإذن الله مأرب عصية عليهم. ○ لماذا في رأيكم تعثّر الموقف الحكومي مؤخرا في محيط محافظة مأرب، رغم التقدم الكبير الذي كانت القوات الحكومية حققته في بداية الحرب الراهنة وتقدمت نحو مشارف العاصمة صنعاء؟ • لم يعد سرا أنه لم يتم السماح للجيش الوطني بالتقدم نحو صنعاء بعد وصوله إلى ما بعد فرضة نهم وفُرض على الجيش الوطني ان يكون فقط في حالة دفاع عن المواقع التي وصل إليها، وبعدها للأسف أدت الحسابات الخاطئة لبعض القوى والأطراف إلى تسليم فرضة نهم الاسترتيجية لميليشيا إيران الحوثية دون قتال وهي نفس الحسابات الخاطئة التي أدت أيضا إلى تسليم العاصمة صنعاء وأجزاء من اليمن للحوثي من دون قتال نهاية عام 2014 وهي نفس الرؤى والحسابات الخاطئة التي تُدار بها الحرب مع جماعة الحوثي الانقلابية والتي حولتها من عصابة لم تستطع إقتحام قرية دماج في صعدة إلى بُعبع يهدد أمن دول الجوار وطبعا الشرعية تتحمل أيضا المسؤولية عن كل ذلك . ○ ما هي إذا الأسباب الكامنة وراء انسداد الأفق أمام التقدم العسكري والسياسي والاقتصادي في البلاد، والذي أدى إلى إطالة أمد الحرب؟ • من أهم الأسباب أيضا ضعف أداء الشرعية وانحراف بوصلة التحالف الذي تقوده السعودية وتحويل الحرب إلى حرب استنزاف لليمن واليمنيين مع تكبيل الشرعية ومصادرة قرارها ومنعها من إدارة شئون الدولة والاقتصاد في المناطق المحررة وإطلاق يد الإمارات للعبث باليمن واليمنيين واحتلال الجزر وممارسة جرائم الحرب وما يجري في جزيرتي سقطرى وميون من أعمال ذات طابع استعماري لم تعد خافية على أحد والمسؤولية القانونية والأخلاقية في كل ذلك تقع على الشرعية الصامتة وعلى المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف والتي تتحكم في كل قرارات الشرعية السياسية والعسكرية والاقتصادية وحتى الادارية .
○ ولكن البعض يشير إلى وقوف تجار الحروب وأمراء الحرب في مختلف أطراف الصراع وراء انهيار الوضع في اليمن، ما هو رأيكم في ذلك؟ • لا شك انه في وضع كهذا سيكون هناك تجار حروب وانتهازيين يستثمرون الأوضاع الكارثية لمصلحتهم ويسعون إلى إطالة أمد المأساة وهؤلاء منهم يمنيون من جميع الأطراف ومنهم بعض مسؤولي دول التحالف عن الملف اليمني ولكن السؤال هو أين الشرعية بكافة مؤسساتها من كل هذا العبث؟ الجواب انها قيد الإقامة الجبرية، كبلت نفسها وسمحت بانتهاك سيادة البلاد. ○ طول أمد الحرب لنحو ست سنوات حتى الآن، خلق جو من اليأس لدى الشارع اليمني في امكانية إنقاذ البلاد، إلى أي مدى تسرّب هذا اليأس إلى عقول السياسيين والفاعلين في صناعة القرار اليمني؟ • الوضع فعلا صعب ويبدو ان من يقف وراء هذا الوضع الكارثي يرغب بأن يُسلم اليمنيين بهذا الواقع المهين، ولكنني أعتقد أنه بغض النظر عما تفكر به النخب السياسية والرسمية التي ساهمت بأدائها بالوصول إلى هذا الوضع إلا أن الغالبية من أبناء شعبنا اليمني لن يستسلموا بإذن الله لذلك والدليل ما نراه من استبسال من أبناء اليمن للحفاظ على المشروع الوطني في كثير من مناطق اليمن وفي مقدمتها جبهات مأرب وتعز وشبوة وحجة والبيضاء والضالع وغيرها، وأيضا إذا زرت بلدا مثل مصر ستجد ان هناك مئات الآلاف من اليمنيين الذين لم يتسرب اليأس إلى قلوبهم ولم يستسيغوا ان يعيشوا في كنف الإنقلابيين وآثروا المكوث خارج اليمن مع ان كثيرا منهم بإمكانهم العودة، هؤلاء في الميدان أو في خارج اليمن ما زالوا ينتظرون من الشرعية أن تقوم بواجبها ولا أعتقد ان هذا الانتظار سيطول . ○ تردد مؤخرا عن تشكيل العديد من التكتلات والجبهات السياسية لإنقاذ اليمن، من قبل السياسيين والنشطاء والفاعلين، بعيدا عن السلطة الراهنة، ماذا يعني ذلك؟ • هذا تعبير عن أن من أشرت إليهم من أبناء اليمن يحاولون إيجاد آليات لتجاوز الخلل الكبير في أداء الشرعية وتصحيح العلاقة بين الشرعية والتحالف التي يمكن وصفها حاليا بالمهينة، والبحث عن مخارج مجتمعية لإنقاذ اليمن من الأيادي الآثمة التي تعبث به، وبعض هذه التحركات المجتمعية تستهدف توثيق الجرائم والأخطاء من جميع الأطراف لأن حقوق الأفراد والشعوب لا تسقط ولن تسقط بإذن الله. ○ يقال أنكم تقفون وراء تشكيل الجبهة اليمنية للإنقاذ، إلى أين وصلت، ولماذا عارضها حزب الإصلاح رغم أنكم في موقع قيادي فيه؟ • الجبهة اليمنية للإنقاذ جهد مجتمعي في نفس الإتجاه الذي تم توصيفه في الإجابة على سؤالك السابق والجبهة ليست محسوبة على شخص أو حزب أو منطقة وتستهدف ابتداء أن تساند الشرعية للقيام بواجباتها (إذا ما زالت الشرعية راغبة بذلك) كما أن الجبهة لا تعادي السعودية ولكن لابد من تصحيح العلاقة معها ولابد من إيقاف عبث الإمارات، والإصلاح لم يُعارض الجبهة وليس معنيا بدعمها أو معارضتها لأن العضوية فيها فردية وليست حزبية والإصلاح كقيادة سياسية هو جزء من الشرعية وهذه القيادة تعاني ما تعانيه بقية قيادات الشرعية السياسية والرسمية . ○ تدفع قوى إقليمية ببقايا عائلة علي صالح إلى الواجهة في محاولة منحهم دورا مستقبليا في قيادة البلاد، هل ترون أن ذلك ممكنا، خاصة وأن العميد طارق صالح أصبح لديه قوة عسكرية ومنطقة جغرفية في مدينة المخا وان كانت محدودة؟ • أتمنى على الأخ طارق ان يستثمر الدعم الذي تحصل عليه ويوجهه لدحر الحوثي في الساحل الغربي وأن يكون له دور واضح وإيجابي في إستعادة الدولة وأن يلتزم في عمله بالدستور والقانون وهذا فقط هو ما سيضمن له أو لغيره أدوارا مستقبلية في الشأن العام للبلاد، والأخ طارق يعرف بأن عليه أن يبذل جهدا مضاعفا للثأر ليس فقط للجمهورية التي يستبيحها الإنقلابيون الحوثيون ولكن أيضا للثأر لعمه المغدور (علي عبدالله صالح) وللحرس الجمهوري الذي كان أحد قياداته ولسمعته العسكرية وهذا لن يتم إلا بالعمل الجاد والواضح والصادق في الميدان متمنيا له التوفيق والسداد . ○ كبرلماني بارز، لماذا غاب دور مجلس النواب تماما وترك السلطة التنفيذية تلعب بأوراق اللعبة رغم العبث الكبير الذي يرافق عمل كل حكومة جديدة؟ • الرئاسة والحكومة والبرلمان جميعها قيد الإقامة الجبرية، فمنذ أن تم اختيار القيادة الجديدة للمجلس قبل أكثر من عامين والتحالف لم يسمح للمجلس بالانعقاد، ورئاسة المجلس موقفها سلبي ومخجل . ○ نظريا، يقال إذا ضعفت الدولة قوي دور القبيلة، وإذا قويت الدولة غابت القبلية، ولكن عمليا في وضع اليمن الراهن، ضعفت الدولة وغابت القبيلة معا، كيف تفسرون ذلك؟ • لأن الدولة الشرعية التي ضعفت حلت محلها ميليشيا إنقلابية تم تسليمها جيش البلاد ومؤسساتها ومقدراتها وهي مُمسكة بقبضة حديدية في مناطق سيطرتها على الأفراد والكيانات بما فيها على القبيلة نفسها، وبالتالي ضعف دور القبيلة في مناطق سيطرة الميليشيا، ولكن في المقابل يجب ملاحظة ان الجيش الوطني والمقاومة الموجودين بالأخص في منطقة مأرب مشكلة من كل مناطق وقبائل اليمن وأغلب أبناء القبائل الموجودين في مأرب يعلمون انهم غير قادرين على العودة إلى مناطقهم ومنازلهم إلا إذا تم دحر ميليشيا الحوثي، ومع ان الميليشيا الحوثية تحشد مقاتلين من جميع المناطق والقبائل إلا ان الفرق بين من تحشدهم اليمليشيا والمقاومين بمأرب وغيرها ان المقاومين بمأرب موجودين فيها بمحض إرادتهم وقناعتهم للدفاع عن الدين والعرض والوطن، أما الآخرون فيتم حشدهم بالقبضة الحديدية والتضحية بدمائهم في سبيل نزوات الإنقلابيين، كما لا يفوتني الإشارة أيضا إلى فشل الشرعية والتحالف والأحزاب في التعامل مع القبيلة اليمنية في هذا الظرف الحساس ولو انهم أحسنوا التعامل معها لكان، من وجهة نظري، بالإمكان دحر هذا الانقلاب قبل سنوات، ولكن هل هذا ما يريده من بأيديهم القرار اليوم، لا أعتقد . ○ هل يعني هذا ان جماعة الحوثي في الشمال وأيضا المجلس الانتقالي في الجنوب يملكون من أوراق القوة ما يستطيعون به تفتيت كيان الدولة؟ • كيان الدولة فعلا مفتت بسبب الإنقلابيين ولولا ان المجتمع رافض لهم لكانوا قد التهموا الدولة وأخضعوا كل الشعب خصوصاً مع الأداء السيء للشرعية والانحراف الكبير المتعمد للتحالف عن الأهداف المعلنة لتدخلهم في اليمن وكذا التغاضي الدولي والتعامل مع الملف اليمني كملف لترضية هذا الطرف الإقليمي أو ذاك، ما يجعل المجتمع الدولي شريكا في الجرائم التي تحصل في اليمن وليس أدل على ذلك من قيام إدارة بايدن بإخراج جماعة الحوثي الإرهابية من قائمة الإرهاب واستجداء السلام منها والتطبيق الإنتقائي لاتفاق ستوكهولم بما يخدم الإنقلابيين الحوثيين وكذا التغاضي عن الأعمال التخريبية الكبيرة التي تقوم بها بعض أطراف التحالف في اليمن . ○ إذا، إلى أي مدى تعتقدون أن قوة الحوثي والحراك الجنوبي مجرد عروش من ورق يمكن أن تنهار في أي وقت إذا وجدت الإرادة السياسة من قبل الفاعلين المؤثرين في القرار اليمني محليا وإقليميا؟ • أنا على يقين انه إذا رفعت الإمارات يدها عن اليمن وتم تنفيذ إتفاق الرياض بصدق وتم السماح لقيادة الدولة بالعودة إلى الداخل وتمكينها من ممارسة أعمالها السيادية في المناطق المحررة فسيتمكن الشعب اليمني وقيادته الشرعية غير المكبلة من دحر الانقلابيين في غضون أسابيع بإذن الله . ○ كشيخ قبلي صاحب نفوذ، بعد إصابة القبيلة بضربة شبه قاضية من قبل الحوثيين، هل تعتقدون أن القبيلة يمكن أن تنهض من جديد ويكون لها دور في المستقبل؟ • الحوثي ليس هو من أصاب القبيلة في اليمن بالضربة القاضية ولكن تسليم الدولة للحوثي بكافة مقدراتها هو ما أصاب اليمن وشعبها وقبائلها بالضربة القاضية والقبيلة اليمنية جزء من هذا الشعب والشعوب تتعثر ولكن لا تموت وسينهض الشعب اليمني بإذن الله بكافة مكوناته . ○ كيف تقيّمون دور التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في اليمن؟ • التحالف في اليمن دوره مثل دور حكم المباراة في حلبة المصارعة الذي يمسك بطرف (الشرعية) ويسمح للطرف الآخر بالإنقضاض عليه وبالكاد يسمح للطرف المكبل تحريك بعض أطرافه للدفاع عن نفسه. ○ هل تعتقدون أنه جزء من الحل أم جزء من المشكلة؟ • التحالف أصبح مشكلة في حد ذاته وما نالنا كيمنيين من أذى من التحالف ليس أقل من الأذى الذي نالنا من إيران. ○ كما ترى أن الحرب الراهنة أدّت إلى انهيار سعر العملة اليمنية وإلى التضخم الاقتصادي الكبير، كيف يمكن إنقاذ ذلك، بحكم أنكم كنتم تتزعمون ثالث أكبر مجموعة تجارية في البلاد؟ • بخصوص أعمالنا التجارية والاستثمارية تم الاستيلاء عليها بالكامل منذ الإنقلاب وهي تضحية أعتز بها، أما إنقاذ الاقتصاد فلا يتم إلا بوجود الدولة وهذا سبب تكرارنا المطالبة بعودة الشرعية إلى الداخل وتكرار مطالبة التحالف بإيقاف عبث بعض أطرافه والتوقف عن مصادرة قرار وسيادة الشرعية. ○ على ضوء المعطيات الراهنة، متى تعتقدون ان يجلس أطراف الصراع المسلح في اليمن إلى طاولة المفاوضات برغبة حقيقية وتوجه جاد لوضع حد للحرب الراهنة في البلاد؟ • عندما يتم السماح للجيش الوطني بخوض مواجهة عادلة مع خصومه من الإنقلابيين الحوثيين هنا فقط سيتيقن هذا الانقلابي انه لم يعد أمامه خيار إلا السلام او الانتحار. ○ بحكم موقعكم القيادي في مؤسسة «القدس» الدولية، والدور التاريخي لليمن ولعائلة الأحمر تحديدا في دعم القضية الفلسطينية، كيف تفسرون محاولة الحوثيين كسب عواطف الشارع اليمني في تقديم أنفسهم كمناصرين للقضية الفلسطينية مع اندلاع الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على الفلسطينيين؟ • كان اليمن من أهم الدول العربية المساندة للقضية الفلسطينية وانقلاب الحوثي هو الذي أوقف هذا الدعم وهم يستخدمون القضية الفلسطينية كذباً للترويج لأنفسهم ولو كانوا صادقين في دعمهم لفلسطين لما كانوا سببا في انهيار دولة من أهم الدول المساندة لفلسطين، كما أن خطوطهم مع الصهاينة ليست خافية على أحد . ○ ولكن الحوثيين استغلوا موجة التطبيع الخليجي مع إسرائيل، في إظهار أن الحكومة اليمنية تعد ضمن المطبّعين مع إسرائيل لأنها رهنت مصيرها بدول التحالف التي تسميها دول العدوان؟ • الحكومة اليمنية التي هي قيد الإقامة الجبرية وبالرغم من وضعها الصعب لم تفرط في فلسطين وكل بياناتها ومواقفها واضحة، أما هرولة بعض الأنظمة العربية للتطبيع فهذا أمر مخز ولو انه لا يعدو كونه كشفا للمستور والشعوب رافضة للتطبيع وستنتهي بإذن الله إسرائيل وذيولها وهذا وعد الله الذي نؤمن به إيمانا قاطعا، وبهذه المناسبة نهنئ الأمة بما حققه إخواننا الفلسطينين من صمود ونصر على العدو الصهيوني الذي مرّغ الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة أنفه في التراب .