عندما يتهاوى نظام قمعي عتيق مثل نظام الأسد يصبح المشهد العربي بأكمله أشبه بطاولة شطرنج تعاد فيها ترتيب القطع المتغيرات هنا ليست فقط في سقوط نظام أو بقاء آخر بل في الرسائل التي تُبعث للجميع خاصة أولئك الذين يسيرون في ذات الطريق.
نظام الأسد الذي كان يوما رمز للدكتاتورية المدججة بالسلاح والدعم الخارجي بات نموذجا للأنظمة التي فشلت في الحفاظ على وجودها حتى مع كل أساليب القمع الوحشية هذا السقوط الرمزي يترك أثرا واضحا على حلفاء هذا النظام وخصوصا حزب الله وإيران ومعهم الحوثيين الذين يعيشون اليوم مرحلة من القلق مدركين أن مشروعهم الممول خارجياً والمغلف داخلياً بالشعارات الزائفة قد وصل إلى مفترق طرق.
إن الحوثيين اليوم ليسوا بعيدين عن مصير الأسد لأنهم يسيرون على نفس الخطى فكما أن النظام السوري اعتمد على الدعم الإيراني والغطاء الروسي للبقاء يراهن الحوثيون على ذات الحبل الخارجي متناسين أن هذه القوى الإقليمية والدولية لا تنظر إليهم سوى كأوراق ضغط تستخدم حينا وتُحرق حين ينتهي دورها.
فمليشيا الحوثي التي اختطفت الدولة اليمنية وفرضت سطوتها على الشعب ترى اليوم حدود هذه السيطرة تتآكل لا بفعل الضغوط الخارجية فقط بل من الداخل أيضا فالبيئة الشعبية التي كانوا يظنون أنهم يسيطرون عليها بالقوة أصبحت اليوم بيئة مستنزفة وغاضبة تدفع ثمن مغامرات الحوثيين على كل الأصعدة.
ولا يمكن فصل مصير الحوثيين عن التحولات الإقليمية والدولية فإيران الراعي الأول للمشروع الحوثي تعيش في وضع متأزم مع محيطها العربي والدولي حتى وإن حاولت التظاهر بالتماسك فالتفاهمات الأخيرة بينها وبين السعودية والتغير في أولويات القوى الكبرى في المنطقة يضع مليشيات الحوثي في موقف معقد.
وإذا كانت إيران قد دعمت الأسد حتى الرمق الأخير فإنها في المقابل تدرك أن الحوثيين لا يملكون نفس الأدوات التي امتلكها النظام السوري لا على مستوى الجغرافيا السياسية ولا القدرات العسكرية لذلك قد تجد إيران نفسها مضطرة لتقديم تنازلات أكبر في الملف اليمني وهو ما يجعل الحوثيين يدركون أنهم أقرب إلى أن يكونوا عبئا على إيران أكثر من كونهم أداة ضغط فعالة. لكن التحول الحقيقي لا ينبع فقط من الخارج بل من الداخل اليمني فمليشيا الحوثي ربما تستطيع فرض سيطرتها على صنعاء أو على بعض المحافظات لكنها لا تستطيع حكم اليمنيين إلى الأبد بمنطق السلاح فالمقاومة الشعبية والجيش الوطني وإن ضعفت إمكانياتهم أحياناً يظلون قادرون على استنزاف أي مشروع خارجي يسعى لفرض هيمنته.
إن اليمنيون الذين عاشوا مراحل متعددة من الحروب والصراعات الداخلية يدركون أن مشروع الحوثيين ليس إلا امتدادا لمشاريع خارجية سابقة انتهت جميعها إلى الفشل والجيش الوطني والمقاومة الشعبية هي التي تشكل العامل الحاسم في إسقاط هيمنتهم مهما بدو أنهم أقوياء.
المشهد أصبح واضحا فنظام الأسد الذي كان يمتلك جيشًا نظاميا ودعما دوليا وإقليميا لم يستطع الحفاظ على نظامه فكيف بجماعة مثل الحوثيين التي تعتمد على ميليشيات غير منظمة ودعم خارجي هش؟
الدرس الذي يقدمه التاريخ واضح للحوثيين لا يمكن للنظام القائم على القوة وحدها أن يستمر والشعوب مهما طال زمن القهر تنهض في النهاية والتحولات الإقليمية مهما بدت بطيئة تفرض قواعد جديدة لا يمكن تجاهلها.
وحتى الآن يبدو الحوثيون متمسكين بالمكابرة رافضين الاعتراف بأن مشروعهم ينهار وهذه المكابرة ليست إلا امتدادا لنهج الأنظمة الساقطة والجماعات المتمردة التي لا ترى في شعبها سوى أداة للسيطرة أو الضحية التي يجب أن تدفع الثمن.
والوقت ليس في صالحهم فكما انكشفت عورة الأسد أمام العالم ستنكشف عورة الحوثيين قريباً وعليهم أن يتحسسو رؤوسهم لانهم سيلاقون مصير مماثل لمصير الأسد وغيرهم من الطغاة.
ختاماً لا يمكن لآلة الحرب أن تصنع سلاماً ولا يمكن للمشاريع الطائفية أن تبني أوطاناً ومليشيا الحوثي مثلهم مثل الأسد هم نتاج لحظة من الفوضى لكن التاريخ لا يُبقي أمثالهم طويلاً فالرياح التي أسقطت نظام الأسد ستصل إليهم وستسقطهم.