في جريمة هزّت الشارع اليمني، أقدمت ميليشيا الحوثي المسلحة، يوم الثلاثاء، على اقتحام منزل الشيخ صالح أحمد حنتوس، مدير دار القرآن الكريم في مديرية السلفية بمحافظة ريمة، قبل أن تطلق عليه وابلاً من الرصاص وتصيبه بجراح خطيرة، إلى جانب إصابة زوجته، وتدمير منزله ودار القرآن الكريم الذي يشرف عليه.
تفاصيل الهجوم
بحسب مصادر محلية وشهود عيان، شنّت الميليشيا حملة أمنية مسلّحة بقيادة القياديين الحوثيين فارس روبع وفارس الحباري، مستخدمة قذائف “آر بي جي” وأسلحة متوسطة وثقيلة، استهدفت بها منزل الشيخ حنتوس الواقع في قرية المعذّب بمديرية السلفية. وتزامن القصف مع محاصرة المنزل ودار القرآن الكريم، ومنع إسعاف الجرحى، في مشهد وُصف بـ”المجزرة”.
وقالت المصادر إن عناصر الحوثيين اقتحموا الدار وأطلقوا النار عشوائيًا، ما أدى إلى إصابة الشيخ صالح حنتوس بجروح بليغة في صدره وذراعه، بينما أُصيبت زوجته برصاصة في الرأس، وتُركا ينزفان داخل أنقاض المنزل المحترق، دون السماح لأحد من الأهالي بالتدخل لإنقاذهما.
من هو الشيخ صالح حنتوس؟
الشيخ صالح أحمد حنتوس يُعد من أبرز دعاة وعلماء محافظة ريمة، وهو أحد رموز التعليم الديني وناشط في تحفيظ القرآن الكريم منذ عقود. يشغل منصب مدير دار القرآن الكريم في مديرية السلفية، ويُعرف بنهجه الوسطي المعتدل، وعلاقاته الاجتماعية الواسعة، وله تأثير كبير في أوساط المجتمع المحلي، خصوصًا في مناطق القبائل والرياف.
وقد تعرض خلال السنوات الماضية لسلسلة مضايقات وملاحقات حوثية، كان آخرها قبل أشهر عندما أُجبر على إغلاق الدار مؤقتًا بعد تهديدات من عناصر الميليشيا بسبب رفضه الخضوع لبرامج “الدورات الثقافية” التي تفرضها الجماعة، وتقوم من خلالها بفرض فكرها الطائفي على الأئمة والدعاة.
شهادات وروايات من داخل الحصار
في تسجيل صوتي مؤثر، بثّه ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، قال الشيخ حنتوس قبل مقتله: “قصفونا داخل المسجد.. أطلقوا النار على أبنائي.. وأبلغوني أنهم سيقصفون المنزل إن لم أغادر.. وأنا لم أفعل شيئًا سوى تعليمي للقرآن الكريم، والله على ما أقول شهيد.”
وأضاف في التسجيل الذي يبدو أنه وثّقه لحظة الحصار: “أنا الآن تحت القصف.. وأهلي من حولي.. نستنجد ولا مغيث.. فادعوا لنا.”
ردود فعل غاضبة ومطالب بالتحقيق
قوبلت الجريمة بردود فعل غاضبة على الصعيدين الرسمي والشعبي. وقال محمد العسل، وكيل محافظة ريمة، إن ما جرى هو “جريمة مكتملة الأركان”، محملًا ميليشيا الحوثي المسؤولية الكاملة عن حياة الشيخ حنتوس وأسرته. وطالب الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بالتدخل العاجل، مؤكدًا أن مثل هذه الجرائم تنذر بتصعيد خطير ضد المؤسسات الدينية.
من جهتها، أدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات الجريمة، معتبرة إياها استمرارًا في “نهج استهداف العلماء والدعاة وأئمة المساجد، ومحاولة فرض الطائفية بقوة السلاح”، مشيرة إلى أن الجماعة ارتكبت أكثر من 850 انتهاكًا ضد رجال الدين منذ 2014، بين قتل واختطاف وتفجير منازل.
سياق أوسع: نهج حوثي ممنهج
تأتي هذه الجريمة في سياق سلسلة من الاعتداءات التي تنفذها ميليشيا الحوثي ضد علماء الدين غير المنتمين لها، في محاولة لتفريغ المجتمع من كل صوت ديني يخالف مشروعها الفكري والطائفي. وبحسب تقارير حقوقية، فقد عمدت الجماعة إلى تفجير أكثر من 150 دار قرآن ومدرسة علم شرعي خلال الأعوام الماضية، وتحويل بعضها إلى مقرات تدريب عسكري أو منابر لتعبئة المقاتلين بخطاب الكراهية والتحريض.
يرحل الشيخ صالح حنتوس تاركًا خلفه دارًا احترقت، وكتابًا مقدسًا تناثرت أوراقه في التراب، وقلوبًا حزينة على من علّمها النور.. لكن جرائم الحوثيين لا تحرق البيوت وحدها، بل تحاول أن تطفئ جذوة العلم والتنوير في بلد أعيته الحروب، وصار فيه القرآن نفسه هدفًا لغارات الظلام.