عبد الملك الحوثي: من هامش اليمن إلى قلب الجغرافيا السياسية

تقارير

خلال العامين الماضيين، عملت إسرائيل بشكل منهجي على قتل أو إضعاف قادة أعدائها الأكثر قوة: حماس، وحزب الله، وإيران. ومع ذلك، لم تتمكن من تحييد قائد واحد، الذي جعلته مقاومته المستمرة، في نظر مؤيديه، آخر زعيم مقاتل لا يزال صامدًا في الشرق الأوسط.

تمكن عبد الملك الحوثي، قصير القامة وهادئ الطباع، من النجاة من هجمات متواصلة شنّتها إسرائيل والولايات المتحدة وقوى إقليمية أخرى، عبر الاحتماء بالكهوف وتجنّب الظهور العلني، معتمدًا في الوقت نفسه على دعم إيران للحفاظ على حركة التمرد التي يقودها في اليمن. وعلى مدى أكثر من عقد كقائد لقوات الحوثيين، اعتمد في استراتيجيته على تحدي خصوم أكثر قوة عبر هجمات صاروخية جريئة، مراهنًا على أن لديهم ما يخسرونه أكثر مما لديه.

ويقول مسؤولون إسرائيليون إنهم يعتقدون أن الحوثي يعتزم الاستمرار في هذا النهج، خصوصًا بعد أن ساهمت حرب غزة في رفع مكانته في العالم العربي، حيث ينظر إليه الكثيرون باعتباره آخر وأبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية.

وفي الوقت الذي كانت فيه إسرائيل والعالم العربي يبدون دعمهم، في أواخر سبتمبر/ أيلول، لخطة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب في غزة، كان الحوثيون يهاجمون سفينة ترفع العلم الهولندي بصاروخ كروز، ما تركها مهددة بالغرق. وقد مدّد ذلك من حملة استمرت عامين عطّلت ممرًا بحريًا حيويًا، واستدرجت الولايات المتحدة إلى معارك بحرية ضارية.

وقال الحوثي إنه سيحترم أي هدنة يوقّعها حلفاؤه الفلسطينيون في حماس. لكن، وبغض النظر عن النتيجة، يُتوقع أن يواصل الحوثيون حربهم الدينية ضد إسرائيل والولايات المتحدة على المدى الطويل. أما شعار الجماعة، الذي يُردّد في التجمعات، فهو: “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.

نون بوست

انفجارات على متن سفينة الشحن الضخمة ماجيك سيز التي ترفع علم ليبيريا، والتي تعرّضت لهجوم في البحر الأحمر من قِبل مقاتلين مرتبطين بالحوثيين في يوليو/ تموز. ويُعدّ البحر الأحمر ممراً لقرابة 12 بالمئة من التجارة العالمية.

 

في اجتماعات خاصة خلال الأشهر الأخيرة، حاول مسؤولون من مصر وقطر والسعودية مرارًا وتكرارًا إقناع قادة الحوثيين بوقف هجماتهم على إسرائيل والسفن في البحر الأحمر، والعودة إلى لعب دور محدود نسبيًا في صراعات المنطقة. لكن الجماعة رفضت دائمًا، بحسب ما ذكره أشخاص مطلعون على تلك الاجتماعات.

وقالت أبريل لونغلي آلي، الدبلوماسية السابقة في الأمم المتحدة التي تواصلت مع قيادة الحوثيين: “إنهم يؤمنون حقًا بهذا الجهاد لإزالة إسرائيل من تلك الأرض، وسيواصلون الضغط”.

وقد عزز الاهتمام العالمي من مكانة عبد الملك الحوثي، الذي ظهر في خطابات أسبوعية تقريبًا عبر الفيديو من موقع غير معلوم، مقدّمًا نفسه كأبرز زعيم عربي وإسلامي يدافع عن الفلسطينيين.

وقال في خطاب ألقاه في مارس/ آذار”إذا ظلّ العالم الإسلامي صامتًا بينما يواجه الفلسطينيون الإبادة، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى تشجيع أمريكا وإسرائيل على ارتكاب مزيد من الفظائع”.

نون بوست

أنصار الحوثي يرفعون أسلحتهم ويلوحون بالعلم الفلسطيني خلال احتجاج ضد الولايات المتحدة وإسرائيل في يوليو/ تموز

 

وفي استطلاع جديد أصدره “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” الأسبوع الماضي، أظهر الفلسطينيون دعمًا أكبر للحوثيين مقارنة بأي ميليشيات أو حكومات إقليمية أخرى. وقد ظهرت صورة عبد الملك الحوثي على ملصقات في إسطنبول وتونس وطهران منذ اندلاع الحرب. وفي العواصم الغربية، تظاهر شبان ضد الحرب في غزة مردّدين هتافات مؤيدة للحوثيين.

وبحسب الأمم المتحدة، ارتفعت وتيرة التجنيد في صفوف الجماعة بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، إذ قُدّر عدد مقاتليها بنحو 350 ألفًا بحلول أواخر عام 2024، مقارنة بـ30 ألفًا فقط في عام 2015.

وفي داخل اليمن، ذلك البلد الفقير الذي يضم 40 مليون نسمة، يحكم الحوثي بمزيج من الإلهام الديني والقمع لمن لا يتبعون عقيدته المتشددة.

ورغم أن الحوثيين يسيطرون على نحو ثلث أراضي اليمن فقط، فإن هذه المساحة تضم موانئ وشركات حكومية وأصولاً اقتصادية أخرى تدرّ على الجماعة ما يصل إلى ملياري دولار سنويًا، وفقًا لباحثين يتابعون نشاطها. أما ترسانتهم الواسعة، التي يأتي معظمها من إيران، فتشمل طائرات مسيّرة وصواريخ كروز وألغامًا بحرية وزوارق سريعة.

بالنسبة لأتباعه المخلصين، يُنظر إلى عبد الملك الحوثي، الذي يُعتقد أنه في منتصف الأربعينيات من عمره، باعتباره أبًا روحيًّا يدّعي أنه سلالة النبي محمد. ووفقًا لمنظمات حقوقية، فقد جنّد الحوثيون أطفالاً للقتال، كما نظموا “دورات ثقافية” في العاصمة اليمنية صنعاء للمراهقين، يُعرض عليهم خلالها خطابات وكتابات تدعو المسلمين إلى رفض التأثيرات الغربية ودعم القضية الفلسطينية.

وقال شاب حضر إحدى تلك الدورات قبل سنوات لصحيفة وول ستريت جورنال: “نحن نؤمن حقاً بعبد الملك. نحن مستعدون لاتباع أوامره لأننا نعتقد أنها أوامر من الله”.

وأضاف المشارك، الذي أصبح لاحقًا عضوًا في الجماعة وطلب عدم الكشف عن اسمه، أنه شعر بالقوة بعد انضمامه إليها.

نون بوست

مجنّد حوثي جديد يحمل قاذف قنابل صاروخية. ويُنظر إلى عبد الملك الحوثي باعتباره أبًا روحيًّا بالنسبة لكثير من الشباب اليمنيين

 

وقال: “تحمل سلاحًا، وتقود، وتتخذ القرارات. وأحيانًا تحصل حتى على أجر أو يُعرض عليك عمل، فما الذي يمكن أن يكون أفضل من ذلك في بلد مثل اليمن؟”.

وبحسب الأمم المتحدة، يتعرض المحتجزون في سجون الحوثيين للتعذيب، بما في ذلك عمليات إعدام بشكل روتيني، والضرب على الأعضاء التناسلية، أو الصعق بالكهرباء. ويضم المقر الأمني للحوثيين زنازين تُعرف باسم “العَصّارات” لا يتجاوز طولها ثلاثة أقدام وعرضها أقل من قدمين، حيث يُحتجز السجناء بمعزل عن العالم الخارجي بينما تُبث عبر مكبرات الصوت خطابات لعبد الملك الحوثي.

وفي العام الماضي، حكمت محكمة حوثية على تسعة أشخاص متهمين بالمثلية الجنسية بالإعدام، بعضهم رجمًا والبعض الآخر صلبًا، بحسب منظمة العفو الدولية؛ وقد نُفذت عمليات الإعدام في ساحة عامة.

وحتى قبل عقد من الزمن، كان عبد الملك الحوثي وجماعته قوة هامشية حتى داخل اليمن، ولم يكونوا محل اهتمام جدي ضمن من قبل الاستخبارات الإسرائيلية.

وفي أواخر أغسطس/ آب، بدا أن إسرائيل حققت اختراقًا استخباراتيًا كبيرًا بعد التقاطها إشارات تفيد بأن حكومة الحوثيين ستعقد اجتماعًا. وبعد ساعات، شنّت مقاتلات إسرائيلية غارة على قاعة مؤتمرات في صنعاء، ما أسفر – بحسب الحوثيين – عن مقتل ما لا يقل عن 12 مسؤولًا حكوميًا، بينهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وإصابة آخرين بجروح بالغة.

وقالت إسرائيل لاحقًا إن الهجوم أسفر أيضًا عن مقتل رئيس أركان الجناح العسكري للجماعة. لكن الضربة لم تردع الجماعة، ولم تُحدث أثرًا ملموسًا في قدرتها على مهاجمة إسرائيل.

نون بوست

اعتبر الهجوم الذي وقع في أغسطس/ آب وأسفر عن مقتل أحمد الرهوي، رئيس وزراء الحكومة اليمنية التي يقودها الحوثيون، اختراقًا استخباراتيًا لإسرائيل. لكنه فشل في ردع الحوثيين

 

ويُعرف عبد الملك الحوثي بهوسه الشديد بالحفاظ على سرية موقعه، ولا يعقد اجتماعات إلا عبر الفيديو في أماكن آمنة. ووفقًا لأشخاص مطلعين على الترتيبات، فقد اضطر دبلوماسيون سابقون التقوا بالحوثيين إلى تسليم هواتفهم، ونُقلوا في سيارات عبر شوارع متعرجة، ليُقادوا في النهاية إلى غرفة فيها شاشة حاسوب يظهر عليها الحوثي عبر مؤتمر مرئي مع ترجمة فورية.

ورفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي التعليق على الحوثي؛ أما البيت الأبيض فأعلن أنه ينسّق مع شركاء إقليميين لتأمين الممرات البحرية، وإضعاف قدرات الحوثيين، وعرقلة تدفق الأسلحة الإيرانية إلى جماعتهم. بينما رفض مكتب الحوثيين في مسقط، عُمان، التعليق.

 

“مختار من الله”

وظهر الحوثيون لأول مرة كلاعبين بارزين في اليمن، عند الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، في تسعينيات القرن الماضي.

وتنتمي جماعتهم الزيدية، وهي فرع من المذهب الشيعي، وكانت تحكم شمال اليمن منذ ألف عام، حتى أطاح بها انقلاب عسكري عام 1962. وقد شعر الكثير من الزيديين، الذين شكّلوا نحو ثلث سكان اليمن، بالتهميش بعد ذلك.

واستغلالًا لهذا الشعور بالتهميش، أطلق حسين الحوثي، الشقيق الأكبر لعبد الملك، حركة إحيائية دعت إلى طرد النفوذ الغربي ودعم الفلسطينيين. وقد وجدت هذه الحركة صدى واسعًا بين الشباب الذين لم يكونوا راضين عن حكومة اليمن آنذاك، المتحالفة مع جماعات سنية منافسة والمتعاونة مع واشنطن في حربها على الإرهاب.

نون بوست

صورة شارع لحسين بدر الدين الحوثي، الزعيم السابق لحركة الحوثيين والأخ الأكبر للزعيم الحالي عبد الملك الحوثي

 

روّج حسين أيضًا لفكرة جديدة بين الزيديين تتمثل في وجود قائد واحد يُعرف بـ”المرشد الأعلى”، يتم اختياره للحكم من قبل الله، كان أئمة الزيدية في السابق يكتسبون القيادة من خلال مكانتهم كعلماء. وقد استلهم حسين هذه الفكرة من إيران، حيث قاد آية الله روح الله الخميني ثورة عام 1979 وأصبح زعيمًا للبلاد ورمزًا دينيًا لها.

قُتل حسين في عام 2004 في اشتباكات مع القوات الحكومية، وكان عبد الملك حينها في أوائل العشرينيات من عمره، وكان نحيفًا وهادئًا، لذا كان يفتقر إلى بعض السمات الذكورية السطحية المطلوبة للقيادة في المجتمع القبلي اليمني، وفقاً لعلي البخيتي، المتحدث السابق باسم الحوثيين، الذي انشق عن الجماعة في عام 2015 بعد أن خاب أمله من أفعالها ويقيم الآن في المملكة المتحدة.

غير أن عبد الملك تميز عن غيره بأنه أعاد تجميع أتباع حسين في كهوف حول معقلهم في صعدة شمال اليمن، وقيادة حرب عصابات ضد القوات الحكومية الأقوى، كما تبنى فكرة أنه خليفة للنبي ومختار من قبل الله.

قال البخيتي، الذي لم يكن عضوًا في ذلك الوقت لكنه سمع قصصًا عن صعود الحوثي: “كان يقود المعارك بنفسه. في تلك اللحظة، بدأ الناس يعتقدون بأن هذا الرجل اختاره الله”.

نون بوست

جندي حكومي يراقب من نقطة تفتيش عسكرية في محافظة غربية باليمن. تمكن الحوثيون – بدعم من إيران – من الصمود أمام الضغوط العسكرية من السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة

 

فرض الحوثيون سيطرتهم الكاملة على محافظة صعدة خلال الفوضى التي اندلعت في الربيع العربي بعد بضع سنوات.

في تلك الفترة، أصبح جمال بنعمر، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن بين عامي 2011 و2014، أحد الدبلوماسيين الأجانب القلائل الذين التقوا بعبد الملك الحوثي شخصيًا. قال بنعمر إن اللقاء الأول كان في منزل آمن بسيط في صعدة، تعرض لقصف من القوات الحكومية اليمنية، مما جعله معدمًا ويضم عددًا غير معتاد من مبتوري الأطراف. وأضاف أن مقاتلي الحوثي كانوا يرتدون الصنادل ويحملون بنادق كلاشنيكوف قديمة.

ورغم أن الحوثي لم يسافر كثيرًا إلى الخارج – أو حتى داخل اليمن – إلا أنه كان ناضجًا بالنسبة لعمره ومهذبًا بشكل غير مألوف، حسبما قال بنعمر، الذي يرأس حاليًا المركز الدولي لمبادرات الحوار ومقره نيويورك.

وأضاف: “كان زعيمًا لميليشيا متشددة، لكنه كان ودودًا للغاية وذو أسلوب لطيف”.

 

الدعم الإيراني

غير أن سلوك الحوثي الظاهري كان يخفي جانباً أكثر إستراتيجية – وأكثر قسوة – دفعه إلى إقامة علاقات أوثق مع داعمين يمكنهم تسهيل صعود الجماعة.

كانت إيران في ذلك الوقت تبني شبكة إقليمية من الحلفاء، ودعمت الحوثيين في البداية بالأسلحة والتحويلات النقدية، وفقاً للبخيتي، المتحدث السابق باسم الجماعة. على مدى العقد التالي، أنفقت إيران مئات الملايين من الدولارات في دعم مقاتلي الحوثي بالأسلحة والوقود والنقود، وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية.

وفي عام 2014، استولوا على صنعاء، عاصمة اليمن. وبسبب الخوف من وجود حليف شيعي إيراني في شبه الجزيرة العربية، تدخل تحالف من الدول العربية السنية بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وشنوا غارات جوية سعيًا لاستعادة الحكومة التي ساعد الحوثي في الإطاحة بها.

نون بوست

استولى الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء في عام 2014، مما أثار مخاوف دول الخليج من وجود حليف لإيران في شبه الجزيرة العربية

 

نون بوست

منشأة نفطية تابعة لشركة أرامكو السعودية تحترق بعد هجوم للحوثيين في مارس/ أذار 2022.

 

صمد الحوثيون أمام الضغوط بدعم من إيران، بينما ردوا بإطلاق النار على السعودية والإمارات باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الرخيصة. وعلى الرغم من أن معظم مقذوفاته تم اعتراضها، إلا أنها هددت منشآت النفط، وهي المصدر الرئيسي لتمويل خصومه. كما أنها قوّضت الانطباع بأن مدن السعودية والإمارات أماكن آمنة للعيش والعمل، مما هدد الإصلاحات الهادفة إلى تنويع اقتصادهما بعيداً عن النفط.

ويقول المسؤولون السعوديون إنهم نفذوا أكثر من 145 ألف مهمة قتالية واستطلاعية فوق اليمن خلال ثلاث سنوات، ومع ذلك لم يتمكنوا من إخراج الحوثي من كهوفه. وفي نهاية المطاف، توسطت الأمم المتحدة في هدنة بدعم سعودي كان من المفترض أن تتطور إلى اتفاق أوسع لتقاسم السلطة بين الحوثيين والفصائل اليمنية الأخرى، لكن المحادثات تعثرت.

 

إحباط ترامب

عندما اندلع الصراع في غزة، حوّل الحوثي هجماته ليبدأ في استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر وتل أبيب، مظهراً تضامن الجماعة مع حماس والفلسطينيين، وارتفع شأن الحوثيين فجأة على مستوى العالم.

وبشكل شبه فوري، بدأ الوسطاء العرب الساعون إلى وقف إطلاق النار في غزة بالتواصل دبلوماسيًا مع الحوثيين، في تحرك يدل على خشيتهم من أن يشجع الحوثيون حماس على تجنب تقديم تنازلات لأجل التوصل لهدنة. وكانت مصر، التي تضررت من انخفاض الإيرادات نتيجة تراجع حركة السفن عبر البحر الأحمر وقناة السويس، تملك سببًا إضافيًا للتواصل مع المسلحين.

استضاف المسؤولون المصريون الحوثيين مرارًا في القاهرة، طالبين منهم التوقف عن مهاجمة سفن الشحن، وعرضوا مساعدتهم في كسب تأييد دبلوماسي لدى الولايات المتحدة. لكن رسالة الحوثي كانت دائماً واحدة: لن يخفف من حدة التصعيد إلا إذا أوقفت إسرائيل حربها في غزة.

ومع تزايد إحباطه من هجمات الحوثيين، أرسل الرئيس ترامب أسطولاً لمواجهة الجماعة في الربيع الماضي. لكن بعد فقدان ثلاث طائرات حربية أمريكية في حوادث، أبرم ترامب صفقة وافق بموجبها الطرفان على عدم مهاجمة بعضهما البعض.

نون بوست

طائرة مقاتلة أمريكية تقلع من سطح حاملة الطائرات يو إس إس دوايت دي أيزنهاور خلال عمليات مارس/ أذار ضد الحوثيين في البحر الأحمر. اتفقت الولايات المتحدة والحوثيون في النهاية على عدم مهاجمة بعضهم البعض

 

وفقاً لمسؤولين عمانيين شاركوا في الوساطة بشأن تلك الهدنة، كان الحوثيون حريصين على الدخول في محادثات، إذ إن الضربات الأمريكية كانت تستهدف مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين ليلًا ونهارًا، مما ألحق أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية. لكن الولايات المتحدة رأت أيضاً أن الحوثيين يتمتعون بالقدرة على الصمود ومواصلة القتال، لذا سعت إلى التوصل إلى اتفاق.

وسرعان ما عاد الحوثي إلى تعطيل حركة الشحن التجاري، مع تجنبه استهداف السفن الأمريكية. وبعد وقت قصير من وقف إطلاق النار، هاجم مسلحون حوثيون في قوارب صغيرة سفينتين قرب ساحلهم، وأغرقوهما وقتلوا عدة أفراد من طاقميهما، في واحدة من أكثر هجماتهم تعقيداً وعنفاً على الشحن في البحر الأحمر.

وعندما بدأت إسرائيل حملة من الضربات الجوية ضد إيران في يونيو/ حزيران، كان الحوثي هو الوحيد الذي رد من مجموعة الحلفاء الإقليميين الواسعة التي كانت لدى طهران سابقًا؛ فقد أبلغ حزب الله اللبناني الدبلوماسيين العرب أنه سيقف جانباً بعد مواجهته الخاصة مع إسرائيل في الخريف الماضي، أما حماس، التي دُمرت بفعل الصراع في غزة، فلم تكن قادرة على تقديم دعم جاد.

لم يكتف الحوثي بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، بل تعهد بتصعيد الصراع مع الدول العربية في حال قدمت دعماً عسكرياً لإسرائيل، وفقاً لوسطاء عرب تلقوا هذه الرسالة.

ويقول مسؤولون إسرائيليون إنه من المتوقع أن يظل الحوثيون تحديَا كبيرًا وتركيزًا جديدًا لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي المعروف حتى بعد انتهاء الحرب في غزة.

وبالنسبة للحوثي، فإن القتال ضد الولايات المتحدة وإسرائيل قد وضع حركته في مصاف القوى الكبرى، وهو أمر كان يبدو غير قابل للتصور عندما صاغ شقيقه لأول مرة مبادئ الجماعة، بحسب أشخاص يدرسون الجماعة.

وقال محمد الباشا، محلل مقيم في الولايات المتحدة ومتخصص في الشأن اليمني: “يرى عبد الملك الحوثي نفسه قائداً مختاراً من الله”، وأضاف: “سلسلة انتصارات الحوثيين في ساحات القتال عززت هذا التصور”.

نون بوست

يُنظر إلى الحوثي من قبل العديد من اليمنيين على أنه قائد ملهم إلهيًا، ويعتقد الإسرائيليون أنه مهما كانت نتيجة الحرب في غزة، فإن الحوثيين سيظلون تحدياً كبيراً وتركيزاً لجهاز الاستخبارات الخاص بهم.

المصدر: وول ستريت جورنال