أكدت مجلة ناشيونال إنترست الأميركية أن أي اتفاق يتم التوصل إليه مع جماعة الحوثي لا يُعد اتفاقًا حقيقيًا، بل يمثل وصفة مؤكدة لتعزيز العدوان وزيادة التهديدات الإقليمية والدولية، لا سيما في البحر الأحمر، الذي بات ساحة مفتوحة للهجمات الحوثية ضد الملاحة العالمية.
وفي تقرير تحليلي نُشر مؤخرًا، شددت المجلة على أن الجماعة المدعومة من إيران تستغل فترات التهدئة لإعادة التسلح وتعزيز قدراتها، بينما تواصل خرق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، وتُصعّد هجماتها على إسرائيل وسفن الشحن الدولية، في تحدٍ صريح للجهود الدبلوماسية الأميركية.
وانتقد التقرير بشدة النهج الأميركي القائم على محاولة احتواء الحوثيين عبر المفاوضات وتقديم الحوافز، مشيرًا إلى أن هذا المسار لم يثمر عن أي نتائج ملموسة. وأوضحت المجلة أن "الحوثيين يستغلون كل هدنة كفرصة لإعادة تنظيم الصفوف، وإعادة التسلح، والعودة إلى المعركة بقوة أكبر"، وهو ما يكرّس، بحسب التقرير، سلوكًا متكرّرًا للجماعة لا يمكن التغاضي عنه.
واعتبرت المجلة أن الهجمات الحوثية الأخيرة على السفن التجارية في البحر الأحمر تمثل تهديدًا مباشرًا لحرية الملاحة العالمية، ولأحد أهم الممرات الملاحية الاستراتيجية. وأضافت أن هذه الهجمات أسهمت في إحداث اضطرابات كبيرة في سلاسل الإمداد العالمية، في وقت تُعد فيه حرية الملاحة "قيمة أساسية في السياسة الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية".
وكشف التقرير عن أن الحوثيين، في ظل التهدئة المعلنة، أطلقوا خلال يوليو/تموز الجاري صواريخ باليستية استهدفت مطار بن غوريون الإسرائيلي، إضافة إلى هجمات أخرى سبقتها بأيام، ما يُشير إلى تصعيد ممنهج يتجاوز الحدود اليمنية ويستهدف زعزعة الأمن الإقليمي.
كما انتقدت المجلة ما وصفته بـ"تكرار الأخطاء"، مشيرة إلى أن السعودية خاضت تجربة مشابهة حينما دخلت الحرب في اليمن عام 2015 ثم لجأت لاحقًا إلى مسار التهدئة، وهو ما لم يمنع الحوثيين من تصعيد هجماتهم بالطائرات المسيّرة والصواريخ، بل واستمرارهم في تهريب الأسلحة المتطورة من إيران، بما في ذلك مكونات صواريخ دقيقة.
وذكّر التقرير بعملية "الفارس الصلد" التي أطلقتها الولايات المتحدة في مارس/آذار 2025، ردًا على التصعيد الحوثي، والتي استهدفت أكثر من ألف موقع، وأسفرت عن مقتل قادة ميدانيين للجماعة، وتكبيدها خسائر عملياتية كبيرة. إلا أن عودة واشنطن سريعًا إلى طاولة المفاوضات والسعي مجددًا لوقف إطلاق النار – بحسب المجلة – أعطى الحوثيين فرصة جديدة لمواصلة التصعيد دون رادع حقيقي.
وحذّرت ناشيونال إنترست من أن "خفض التصعيد بأي ثمن" يبعث برسالة خاطئة مفادها أن العنف يُكافأ، وأن خرق الاتفاقات لا يواجه بعواقب حقيقية. واعتبرت أن الدروس المستقاة من التعامل الدولي مع إيران يجب أن تكون حاضرة، مشيرة إلى أن المراوغة في المفاوضات لطالما كانت سمة أساسية في نهج طهران ووكلائها، بما في ذلك الحوثيون.
وفي ختام تقريرها، شددت المجلة على أن "الصفقات مع الإرهابيين ليست صفقات"، وأن وقفات إطلاق النار لا يجب أن تُمنح مجانًا، بل تُكتسب مقابل التزام واضح وشروط صارمة. ودعت واشنطن إلى الجمع بين الدبلوماسية والعقوبات والردع العسكري عند الضرورة، لضمان أمن المنطقة، وحرية الملاحة، واستقرار التحالفات الأميركية في الشرق الأوسط.