يواصل مئات من سائقي الشاحنات العاملين في قطاع النقل بين موانئ الحديدة والمحافظات اعتصامهم للأسبوع الثالث على التوالي، رفضا لسياسة حوثية تعمل على احتكار قطاع النقل من موانئ الحديدة الثلاثة: ميناء الحديدة، ميناء الصليف، وميناء رأس عيسى النفطي على حساب آلاف من سائقي النقل من الموانئ. وتفجرت الاحتجاجات في موانئ الحديدة بعد أيام من اقتحام نافذين حوثيين الموانئ بالقوة والنفوذ الذي يتمتعون به لنقل البضائع قسرا من موانئ الحديدة مخالفين نظام الدور الأمر الذي استفز نقابة النقل الثقيل ودفعها لتنظيم اعتصام في الحديدة. اعتصام رغم الخطف والقمع في ساحة واسعة بشارع رئيس بمدينة الحديدة المعروف بكيلو16، وضع المعتصمون لافتات على متن شاحناتهم تبرز أهم مطالبهم بتطبيق نظام الدور على جميع الناقلين، وعلى جانبي الشارع وقفت مئات الشاحنات مع سائقيها منذ أكثر من عشرة أيام، في أهم موقف احتجاجي على الإطلاق ضد سلوك حوثي منذ الهدنة 2022 من نقابة مرتبطة بموانئ الحديدة المفتوح على مصراعيه منذ تلك الهدنة. ردا على الاعتصام، انتهجت مليشيا الحوثي كعادتها سلوك الخطف والقمع وخطفت رئيس نقابة النقل الثقيل في الحديدة وثلاثة من نوابه وهم عبدالحافظ احمد الجاهلي، وصالح احمد أبو عمر، وعبدالحميد الريشاني، وأحمد حمود القحم، وفق مصادر خاصة في قطاع النقل قبل أسبوعين. ورغم الخطف والقمع والإخفاء القسري، يواصل المعتصمون بحماس مظاهراتهم الاحتجاجية في أحد أهم الشوارع بالمدينة، بينما فشلت محاولات حوثية عبر محافظي الحديدة وريمة الحوثيين إنهاء الاعتصام. مطالب المحتجين لخص المعتصمون في موانئ الحديدة مطالبهم بتطبيق نظام الدور على جميع الشاحنات التي تنقل البضائع من الحديدة وفق نظام النافذة الواحدة تنفيذا لاتفاق موقع بين نقابة النقل الثقيل في الحديدة وهيئة النقل ووزارة النقل الحوثية بإشراف لجنة رئاسية تمت في مارس2023 إثر احتجاج نفذه الناقلون في الصباحة غربي صنعاء العام الماضي. كما يطالب المعتصمون بأن يكون التحميل عبر الشاحنات بالكمية المسموحة بها قانونا. ويشدد المعتصمون على أن تقوم هيئة تنظيم النقل البري الحوثية في الحديدة بالتوقف عن ممارسة الفساد والابتزاز وأن تمتنع عن إصدار التصاريح الفردية لبعض الشاحنات بالنقل بشكل مخالف لنظام الدور. والأهم من بين مطالب المعتصمين إلزام المؤسسة الاقتصادية العسكرية الحوثية التي تعمل لصالح مؤسسة القتلى الحوثيين (مؤسسة الشهداء الحوثية) بأن تلتزم بنظام الدور وألا تحتكر قطاع النقل من موانئ الحديدة تحت أي ذريعة أو حجة. توسع الاحتجاجات أدى نجاح الاعتصام في محافظة الحديدة إلى تشجيع ناقلي الغاز من ميناء رأس عيسى لرفع أصواتهم عاليا أسوة بزملائهم الناقلين للبضائع التجارية، عبر بيان صدر الجمعة 26 أبريل، يتهم فيها شركة الغاز الحوثية بسلسلة من الجرائم بحق الناقلين لمادة الغاز المستورد من الخارج. وقال البيان الذي اطلع عليه "يمن شباب نت" إن شركة الغاز الحوثية تمارس إجراما بحقهم يشمل عدم دفع مستحقاتهم إلا بعد شهرين وأحيانا بعد أربعة أشهر، كما أنها تعمد إلى تحميل الغاز إلى محطات بعينها وتحرم محطات أخرى من الحصول عليها، ويكبد ذلك السائقين خسارة فادحة نتيجة قلة الحركة. كما رفضت الشركة تعويضهم مقابل المرور بطرقات بديلة بعد أن قطعت مليشيات الحوثي الطريق الرئيس الحديدة صنعاء عبر مناخة وتحويلها إلى خط الحديدة ذمار صنعاء. المحتجون من قطاع سائقي الغاز في الحديدة اتهموا أيضا قيادات الحوثي بميناء رأس عيسى بممارسة الابتزاز على الناقلين والتهديد بمنعهم من العمل، كما اتهم الناقلون مليشيا الحوثي بتحذير أي سائق يشكو من الابتزاز أو الظلم بمنعه نهائيا من العمل. أسباب الاضطرابات بموجب هدنة أبريل 2022 بين الحكومة ومليشيا الحوثي برعاية أممية تم الاتفاق بدعم من التحالف العربي على فتح موانئ الحديدة ل18 سفينة نفطية خلال فترة الهدنة الممتدة لشهرين، والتي مددها الطرفان برعاية أممية أيضا ثلاث مرات انتهت في أكتوبر2022، ثم استمرت دون اتفاق رسمي حتى الآن. خلال فترات الهدنة قدمت الحكومة اليمنية بضغط من التحالف العربي تنازلات واسعة لمليشيا الحوثي بتسليم ضرائب الوقود إلى مليشيا الحوثي في يوليو2022، وفي مطلع 2023 سمح التحالف باستقبال موانئ الحديدة لجميع أنواع الشحنات التجارية، وإلغاء منطقة تصاريح التحالف في البحر الأحمر. واستغلت مليشيات الحوثي هذه النقطة وحظرت على جميع التجار والمستوردين في مناطقه التوريد عبر المنافذ البرية أو عبر موانئ عدن والمناطق المحررة، وأدى لازدهار النشاط التجاري في موانئ الحديدة عدة أضعاف عما كان عليه على حساب موانئ عدن. التدفقات التجارية إلى موانئ الحديدة، أدت لنقل آلاف من الشاحنات التجارية بين المحافظات اليمنية من موانئ عدن والموانئ البرية إلى موانئ الحديدة، وارتفعت الإيرادات الضريبية والجمركية وغيرها من الإتاوات الحوثية لصالح المليشيا دفعها لتأسيس شركات جديدة في قطاع النقل لاحتكار هذا النشاط أيضا. وتقدر تقاريرا لغرفة التجارية في أمانة العاصمة قبل اقتحامها والسيطرة الحوثية عليها قطاع النقل بترليون ريال يمني بالطبعة القديمة. وبحسب مصادر متعددة في قطاع النقل تحدثت لموقع يمن شباب نت أنشأ الحوثيون عبر مؤسسة القتلى الحوثية شركة لاحتكار قطاع النقل باسم المؤسسة الاقتصادية تمتلك ما لا يقل عن 500 شاحنة من النوع الطويل يطلق عليها ا لسائقون "مواترا لمؤسسة" تعمل بجهد حثيث على احتكار قطاع النقل. وقال سائقون إن أعمالهم في قطاع النقل انتهت تماما مع تغول مؤسسة القتلى لحوثية في هذا القطاع، وسيطرتها بالقوة على القطاع، التي صارت تحتكر النقل بنسبة كبيرة، بينما لا يستطيع الناقلون من خارج المؤسسة الحوثية تحميل البضائع إلا مرة كل شهرين أو ثلاثة أشهر وأحيانا تصل إلى أربعة أشهر. ويقول ناقلون إن مليشيا الحوثي عبر هيئة تنظيم النقل تعمل على منح تصاريح النقل للمؤسسات الحوثية، بشكل متكرر، بينما لا يحصل عليها السائقون إلا مرة كل عدة أشهر. ويفيد الناقلون أن عدد الشاحنات التي تخرج من الميناء يوميا تصل إلى 50 ناقلة تقريبا، بينما توجد طوابير طويلة أمام الميناء من الشاحنات تصل أحيانا إلى ألف شاحنة. أهمية الاحتجاجات تشكل الاعتصامات في الحديدة المرتبطة بقطاع النقل من موانئ الحديدة أهمية بالغة كونها تتعلق بواحد من أهم المصادر المالية لمليشيا الحوثي يتدفق منها مئات المليارات لصالح المليشيا الحوثية. كما أنها تشكل أو اعتصام مفتوح وناجح لقطاع اقتصادي متجاوز للجغرافيا والقبيلة والمنطقة، ويشكل منظموه خليطا من التيارات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المختلفة في اليمن. وتشير الاحتجاجات في منطقة الحديدة إلى تجربة مماثلة حصلت في تلك المحافظة مطلع القرن العشرين حين اصطدمت البرجوازية اليمنية والقطاع الخاص بدولة الإمامة. وأدى لتحول القطاع الخاص في اليمن حينها من نهج التحالف مع الإمامة، إلى نهج الثورة عليها، لبناء دولة تسمح بنشوء القطاع الخاص وتعمل على تنميته، وفق دراسات عدة من بينها تاريخ الثورة الاجتماعي في اليمن. كما أن الاحتجاجات تأتي لتأكيد حقيقة أن اللجوء إلى التظاهر صار الخيار الأفضل والممكن لمواجهة التعديات الحوثية على مختلف المؤسسات والقطاعات الاجتماعية في مناطق سيطرة الحوثي. وتضيف الاحتجاجات عقبات جديدة لموانئ الحديدة بجانب البنية التحتية الضعيفة التي يتمتع بها مقارنة بما كان عليه في السابق، وفشل الإدارة الحوثية التي غيرت ثلاث مرات منذ بداية الهدنة رئيس مؤسسة موانئ البحر الأحمر، التي تدير تلك الموانئ. كما أن ارتفاع أسعار الشحن والتأمين وبطء عملية التفريغ وعدم قدرة توجه سفن الحاويات إلى موانئ الحديدة إلا تلك التي تحتوي كرينات تفريغ خاصة بها. ووفق أحد التجار فإن العودة إلى موانئ عدن، أو الاستيراد عبر موانئ صلالة في سلطنة عمان هو الخيار الأفضل للتجار من ناحية اقتصادية.