- سهام حسن (نازحة): لم أستطع إلحاق أولادي بمدارس عدن.. الحكومة والمنظمات لا تساعدنا.. ابني فقد الأمل في الدراسة وذهب للعمل في محافظة المهرة رغم صغر سنه
- نور أحمد (نازحة): أعيش في هذا المكان المظلم مع أطفالي الأربعة.. معظم الأطفال النازحين يضطرون للتسول أو العمل في أماكن تفوق قدراتهم الجسدية بحثا عن الرزق
- "اليونسيف": أكثر من 523 ألف طفل نازح يعانون للحصول على التعليم.. وأدمجنا المئات منهم في برامجنا التعليمية عام 2020 ودربنا 1200 معلم وأنشأنا 4 مدارس بمأرب
في أحد أماكن العراء بمديرية المعلا في محافظة عدن جنوبي اليمن، أو ما يطلق عليه مجازا "مخيم للنازحين"، تعيش سهام حسن (35 عاما)، وهي من مديرية حيس بمحافظة الحديدة (غرب)، مع طفليها عادل (15 عاما) ورغد (13 عاما) في حزن وألم شديدين.
ما يحزن الأم وطلفليها هي تداعيات النزوح وترك الديار، وعدم تمكنهم من مواصلة الدراسة لظروف شتى؛ في ظل حرب مستمرة في البلد الفقير، منذ نحو سبع سنوات، بين القوات الموالية للحكومة ومسلحي جماعة الحوثي.
في مكان نزوحهم لا توجد أي صورة لحياة طبيعية ولا احترام لآدمية الإنسان، إذ اضطرت عشرات الأسر إلى تجميع بقايا أخشاب وصفائح حديدية لجعلها سكنا، حين تخلت عنهم الحكومة ولم تقم المنظمات الإنسانية بدورها، وفق نازحين.
تكالبت على "أم عادل" ظروف الحياة القاهرة، انفصالها عن زوجها وتركها لمنزلها، والعيش في مكان مقفر، وضاعف من مأساتها حرمان طفليها من الدراسة، بعد أن أوصدت المدارس الحكومية أبوابها أمام الكثير من النازحين في عدن لأسباب مختلفة.
وقبل أيام قليلة، أعلنت رئيسة بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، كاترينا ريتز، عبر "تويتر"، أن 3 ملايين طفل يمني (من أصل نحو 30 مليون نسمة) غير قادرين على الالتحاق بالتعليم هذا العام.
وخلفت الحرب قرابة 4 ملايين نزاح، وأودت بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من سكان اليمن، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
** ظروف قاهرة
تفترش "أم عادل" الأرض كلما خلدت إلى النوم، لكنها لا تهتم بذلك كثيرا ولا يؤلمها بقدر ما يؤلمها عدم استكمالها لدراستها الجامعية وضياع مستقبل طفليها.
وقالت سهام للأناضول: "أعيش وأسرتي الكبيرة، وهم 9 أشخاص، وضعا مأساويا، فبجانب مغادرتي المنزل وعدم مواصلتي دراستي (ماجستير دراسات إسلامية)، وحرمان أولادي من الدراسة بسبب النزوح والحرب، أعاني أيضا من ظروف أخرى قاهرة".
وأوضحت: "أعيش وضعا مؤلما في هذه المكان الموحش منذ 4 سنوات، برفقة طفليّ ووالدتي المريضة واخواتي الاثنتين وأولاد أخي الثلاثة.. بجانب عجزنا عن توفير أبسط متطلبات الحياة، يرهقني جدا ترك أولادي للدراسة، وضياع مستقبلهم".
وتابعت: "لم أستطع إلحاق أولادي بالدراسة في مدارس عدن، لعدم قبولهم بحجة عدم وجود شهادات الدراسة في المراحل السابقة، التي تُركت في منزلنا، فضلا عن الزحام الشديد في المدارس الحكومية بعدن".
وأردفت: "عجزت الحكومة عن مساعدتنا ولو بتقديم أهم متطلبات النزوح، فحتى الخيام لا توجد معنا، فضلا عن الطعام والشراب، فيما تخلت المنظمات الإنسانية عنا، مع غياب تام للجهات المختصة بتعليم أطفالنا".
وبحزن، أردفت الأم: "في ظل عجزنا عن توفير أبسط المتطلبات، سمحت لولدي بالذهاب للعمل في محافظة المهرة البعيدة (شرق)، ليساعدنا في توفير بعض المتطلبات، رغم صغر سنه وحاجته للرعاية، بعد أن فقد الأمل في الالتحاق بالمدرسة".
تكفكف دموعها قبل أن تستأنف حديثها: "لا أعلم كيف يعيش ابني هناك، مخاوفي علي ولدي تؤرقني، لا أكاد أنام غالبية الليالي، مرارة الخوف على ولدي تقض مضجعي".
** لا مساعدات
حكاية "أم عادل" وطفليها ليست الوحيدة من نوعها، فهناك الكثير من قصص تبدو متشابهة وإن اختلفت تفاصيلها، فالألم يبقى واحدا في مصيبة مشتركة.
وقالت نور أحمد (55 عاما)، من محافظة تعز (جنوب غرب) للأناضول: "نزحنا إلى هنا وليس معنا إلا ما يستر أجسادنا، وللأسف الكل تخلى عنا، فلا حكومة ولا منظمات وقفت معنا".
وتابعت: "أعيش في هذا المكان المظلم مع أطفالي الأربعة، لا مأكل ولا مشرب ولا كهرباء ولا صحة ولا تعليم، فقط هي حركة أجسادنا التي توحي بأننا لا زلنا على قيد الحياة".
وأفادت بأن "معظم الأطفال النازحين يضطرون إلى التسول أو العمل في أماكن تفوق قدراتهم الجسدية بحثا عن الرزق، بعد غياب دور المنظمات الإنسانية في مساعدتنا".
** 8.1 ملايين طفل
ويوجد 8.1 ملايين طفل بحاجة إلى مساعدة تعليمية طارئة، وفق بيانات حصل عليها مراسل الأناضول من مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في اليمن.
كما يعاني أكثر من 523 ألف طفل نازح في سن المدرسة للحصول على التعليم؛ بسبب عدم وجود أماكن كافية في الفصول الدراسية.
وحتى عندما يكون التعليم متاحا، فإن للنزاع تأثير سلبي غير مباشر على التعلم وجودته، حيث تضررت المدارس وتم استخدامها من قبل أطراف الصراع أو تم تسكين عائلات نازحة فيها، بحسب "اليونيسف".
وعن جهودها لمساعدة الطلاب النازحين والمحرومين من الدراسة، أفادت المنظمة بأنه تم دمج أطفال نازحين في سن المدرسة في برامج "اليونيسف" التعليمية عام 2020، حيث يتمتع المئات من الأطفال الآن بفرصة التعليم، بفضل مواد التعلم الفردية التي قدمتها لهم.
كما تمكنت "اليونيسف" من دعم أحد أكبر مخيمات النازحين، وهو مخيم الجفينة للنازحين في مأرب (شرق)، ويستوعب أكثر من 9 آلاف أسرة.
وتم تدريب 1200 معلم في 247 مدرسة على بروتوكولات المدارس الآمنة، والحفاظ على استمرارية وصول 60 ألف طفل إلى التعليم غير الرسمي.
وفي عام 2019، أنشأت "اليونيسف" أربع مدارس خاصة بالطلاب النازحين، بالتنسيق مع السلطة المحلية في مأرب، للاستجابة للاحتياجات التعليمية للأطفال في المخيم.
وفي العام الماضي، كان يوجد حوالي 5453 طفلا مسجلين في هذه المدارس، فضلا عن بناء 18 فصلا دراسيا شبه دائم و12 حماما لثلاث من هذه المدارس، وفق المنظمة الأممية.
ويزيد من تعقيدات النزاع اليمني أن له امتدادات إقليمية، فمنذ 2015 ينفذ تحالف عربي، تقوده الجارة السعودية، عمليات عسكرية، دعما للقوات الموالية للحكومة، في مواجهة الحوثيين، المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ 2014.