الصراعات في عوالمنا حالة إدمان.
هناك من لا يستطيعون العيش بسلام. ولا يجدون أنفسهم خارج الصراعات والحروب،
لهم في كل درب عدو، وفي كل يوم معركة،
يستجيبون لكل نزال.
تحتاج لأن تصارع صراعك في كثير من الاحيان. قد نصير صرعى صراعاتنا اللاواعية الرثة وغير العادلة، وفي خضم الصراع قد ننسى لماذا نصارع؟ ومن نصارع؟ وكيف؟ واين؟ ومتى؟ كل صراع لا يجيب عن هذه الأسئلة هو صراع مجانين.
وأسوأ الصراعات تلك التي تفقدك جوهرك، وتصير إدمانا مدمرا، تضيع معها الوجهة ويغيم الهدف. وينتفي المعنى، وتسقط القيمة.
احيانا نترك للصراع مصائرنا وأقدارنا وندع للخصومة والعداوات والأعداء مهمة تعيين وتحديد المعركة ونسلم قيادنا للحروب الرعناء على طول الخط. وقد يأسرنا الصراع بشخوصه، وأدواته، واساليبه، وشروطه، المكانية، والزمانية، وحساباته،
وقد يأسرنا الخصوم لطول الصراع معهم، فيغدون هم شرط القوة والضعف، وشرط الحضور والغياب، نقوى ما داموا أقوياء، ونضعف ونسقط بسقوطهم وتهاويهم ونغيب ونغرب متى غربوا.
ثمة صراع أكبر مكسب ألا تخوضه. وثمة معارك واجبة الترحيل والتأجيل، وثمة خصوم ينبغي عدم الاستجابة لمنازلتهم بالسهولة التي يأملونها. وثمة تحديات يتوجب مواجهتها الان. وأخرى غداً. ومنها ما تقتضي الترك، والإهمال، ومنها ما يمكن أن نواجهه نحن، ومنها ما يمكن تركه لسوانا، ومنها ما يمكن تركه للزمن، والواقع، ومنها ما يمكن معالجته بالرفق، واللين والفطنة.
مشكلتنا: اننا نقوم غالبا بتجميع كل شئ دفعة واحدة، في حلبة واحدة، وربما كانت المرحلة تقتضي تفتيت القوى المضادة، وتطوير اساليب المواجهة، ووضع الاستراتيجيات المناسبة، وتحديد الأولويات والمهام، وتصنيف القضايا والعداوات. والخصوم، وبذل الطاقة بالقدر المطلوب للتخلص والتجاوز. والتركيز على فعل المقاومة، وعدم تبديد الجهد فيما هو ثانوي وهامشي وغير ذي بال.
ادارة الصراع فن. وعمل مهم وخطير. يبدأ من داخل العقل والروح، بعقلنة الصراع، وأنسنته، وإعادة تأطيره ضمن القيمة والمعنى، وتفكيكه، والتعامل معه بوعي، ومحاذرة، وبروح سامية، لا تصارع كي تصرع ذاتها، أو تخسر مبادئها وحين يكون الصراع وطنياً فهو يستوجب الارتفاع بالقضايا الى الافق العام، وعدم الانغلاق داخل صيغ ضيقة،
تهزم المشروع الجمعي، وتقزم الادوار، وتكرس حالة من العصبوية، والانقسام الهوياتي، والانتماءات الجغرافية الضيقة، والانجرار مع الحس الشعبوي، المنفلت، بصورة تستعصي على الانضباط والتحكم.