لم أكتب عن محمد دبوان المياحي منذ اختُطف، ليس لأن قلمي ثمين بل لأن اللغة لم تسعفني في التضامن مع رجل هو نفسه لغة.. لا أجد نصي قادرا ان يؤازر كاتبا كالمياحي.. الصارخ من مسافة صفر في وجه الكهانة والهمجية.. كيف لنص أن يتضامن مع أسطوانة النص، ومتن الشجاعة، وفهرس الحرية..؟!
ما يغضبني اليوم ليس مجرد اختطافه، فالمياحي لم يكن كاتبا متخفيا باسماء مستعارة أو هاربا يترقب في ازقة صنعاء المحتلة.. اختطف المياحي وهو مقبل بحروفه يكر على كبش الجماعة ويلقنه درسا قاسيا ويعرفه قدره ويهتك ستر كبرياءه ويضعه في موقعه الصحيح: مهرج ضحل وبليد تافه.
كان المياحي يعرف ماذا يكتب ولمن يكتب. كان يعرف تماما إلى أين تمضي كلمته، كان يسير نحو الخطر بشجاعة واستبسال، لأن الشجعان لا يهابون العواقب، ولأنه يعرف أن التأريخ لا يفتح أبوابه إلا للذين يكتبونه بوجعهم، لا أولئك الذين يحررونه بخطب الشاشات.. السجن ليس مثلبة في حق المياحي كما لم يكن عيبا في حق زكريا ابن عمران ويحيى ويوسف وابن تيمية ونيلسون مانديلا والمهاتاما غاندي وغيرهم مازالت نصبهم قائمة واسماؤهم مشهورة..
ما يغضبني حدّ الغليان هو سلطنة الصراصير وهي تنصب المحاكم لتحاكم الصقور، وتقرر في حقهم الأحكام..
لو وضعنا عبدالملك الحوثي في ميزان الرجال، فلربما لا يساوي قصاصة من ظفر إصبع من رجل محمد دبوان المياحي قصها بعد اتساخ.. الحوثي يعرف ذلك، يعرف أنه صغير وتافه وبليد وقليل التحصيل وفاقد المعرفة ومنخفض المستوى.. يدرك أنه مجرد دمية يحركها ضابط إيراني وربما يتلقى منه اهانات أضعاف ماتلقاها من دبوان..
غير أن مقال المياحي مؤلم وموجع.. إنه السياط الذي وقع على الجرح.. ذكّر عبدالملك الحوثي بدونية المستوى؛ الدونية في كل شيء حتى على مستوى قومه.. قومه الذين اغتال كبارهم ليتفرد بالكبرياء بينهم.. كلهم كانوا أعلى منه مقاما وأرسخ عقلا..
أحمد شرف الدين ومحمد عبدالملك المتوكل وعبدالكريم جدبان وحسن زيد ومرتضى المحطوري.. كلهم قتلوا بأوامر منه لأنه صغير فيهم ولا مقارنة.. استحوذ عبدالملك على كل شيء؛ الكميرات والمال والسلاح، وأصبح واحدا لا شريك له.. وليؤكد قيمته حصر التوجيهات الدينية والمذهبية في ذاته من خلال محاضراته التي تبث في المساجد.. وأصبح يحشر الناس للسبعين كل جمعة ليؤكد لنفسه انه ربهم الذي يمتلك أقدارهم.. غير أن المياحي أقبل عليه ذات ضحى كموسى وألقى مقاله كالعصا التي تلقف ما يأفكون.. مقال واحد من 356 كلمة ابتلع سحر الفرعون التافه وطار المقال في الافاق فبطل السحر وانكشف عوار المحتجب البليد وسخفه السياسي وخواءه الأخلاقي. فجن جنون الكهان، وأطلقوا الزبانية ليطفئوا شمعة النور المؤيد بالحق والمسدد بالحكمة.
هل انطفأ المياحي؟ لا.. مقال المياحي أصبح وردا في ذاكرة الاحرار اليمنيين وسيصبح يوما غلافا لكتب الطلاب في المدارس وأحد مقررات المناهج التعليمية.. ولا زال المياحي يكبر كل يوم كشجرة ضاربة الجذور، بينما تتساقط اوراق خصومه ليصبحوا سمادا للتأريخ.. تعظيم سلام محمد دبوان
من صفحة الكاتب على فيسبوك