لا شيء واضح، وهناك إمكانية للنجاة أمام الحوثي. الأزمة نفسها حدثت في الشمال السوري، فقد احتمت فصائل المعارضة بالحليف التركي. ساعدت تركيا حكومة إدلب على البقاء ومنعتها من شن الحروب. تمزق المشهد السوري بين الحلفاء، وكثر عدد اللاعبين الدوليين. يبدو المشهد اليمني أقل تعقيداً، وإن كان في بعض جوانبه مشابهاً. حتى البطل السوري، بطل التحرير، وقع لفترة من الزمن رهينة في قبضة الحليف.
حاولت تركيا إعادة بناء العلاقة الدبلوماسية مع مشاط دمشق، وفشلت. حدث ظرف دولي أدت تداعيته إلى انهيار حزب الله، حامي دمشق، فأذنت تركيا للمعارضة السورية بالحركة.
بالنسبة لتركيا، قبل طوفان الأقصى وتداعياته، فإن أي تصعيد عسكري مع النظام سيرتد سلباً عليها، أمنياً وسياسياً، ليس فقط بسبب موجات اللاجئين الجديدة.
يلخص المسؤولون السعوديون تخوفاتهم على هذا النحو: لا نريد تصعيداً مع جماعة قادرة على تعطيل مطار الملك خالد. يستجيب اليمنيون لهذه المخاوف كما فعل "أحمد الشرع" في الشمال السوري. فتركيا (وهنا حالة السعودية) هي الغطاء السياسي، المالي، الفني، والأمني. جنوباً تتحكم الإمارات بالمفاتيح. تريد الإمارات اليمن المفيد، يمن السواحل. يقدم الحوثي نفسه في سياق من ال "ماد مان ثيوري"، أو الرجل المجنون. كأن يفرض معادلة تقول خذوا سواحل شبوة وحضرموت ولكنكم لن تشغلوها إلا بإذني. قصفت مسيراته تلك الشواطئ وعرفت الإمارات أن المجنون قادر. فعل الشيء نفسه مع ميناء المخا، في أقل من ساعة سوى عرائش الميناء بالأرض. استفادت الإمارات من مكستباتها في اليمن، ولكن حلفاءها المحليين خسروا سمعتهم. قيدهم الحوثي، وحبسهم خيالهم المحدود، وعطلت الإمارات قدرتهم على الإدراك.
حالياً يجري التفكير باقتطاع الحديدة من القبضة الحوثية. هي بيضة الرجل التي تدر له ذهباً، وهو هناك على رأس الجبل لديه ما يكفي من الصواريخ والمسيرات، شعاره "من تعلّى هدَش". مرّة أخرى: التفكير باليمن المفيد. أي: يمن النفط والسواحل مقابل "يمن البسباس الحيمي".
قدم الحوثي استعراضاً مثيراً في الأعوام الماضية، فرض غرامات (تعريفات عالية) على رجال الأعمال الذين سيستوردون من خلال ميناء عدن. تعطل الميناء، فاليمن غير المفيد هو السوق الكبيرة، وعلى التاجر أن يضع هذه الحقيقة في الحسبان. عمليا قام بتخريب ميناء عدن. فعل الشيء نفسه مع مأرب، حظر بيع الغاز المنزلي القادم من مأرب، فهوت الإنتاجية بما يزيد عن 45%. مدّته إيران بالبدائل. جمّد آبار النفط من خلال المسيرات.
الرجل المجنون أخذ البلاد رهينة، ولإيقافه لا بد من حلول مبتكرة، ومن غير المتوقع رؤية تلك الحلول بالنظر إلى أن اليمن غير الحوثي هو ساحة حرب باردة بين الإمارات والسعودية تجعل من التوصل إلى صيغة عمل مشترك أمراً بعيد المنال. بالنسبة للإمارات فالمعركة انتهت، حصلت على مستعمرة تزيد مساحتها عن ثلث مليون كم مربعاً، وقد باتت تسير الرحلات الدولية إلى جزيرة سقطرى بفيزا إماراتية. أي تصعيد عسكري سينظر إليه إماراتيّاً بوصفه لعبة خطرة قد تضعضع ما استقر لها من ترتيب. لديها شرايين مفتوحة في أماكن أخرى، تريد التفرغ لها.
غير ان فكرة توسيع اليمن المفيد ليشمل الحديدة هي فكرة مغرية، وقد تجري الإمارات وراءها. سيستعيد الحوثي قدرته على إطلاق النيران إن لم تحطه المعركة. ستعود عدن والمخا والحديدة لتصبح في مرمى نيرانه. هذه المعركة تجري تحت قانون: تيك إت أول، أو ليف إت أول، خضها كلها، أو دعها. إما أن تدخلها ب "All In"، كل الأوراق مرة واحدة، أو دعها. لأن اقتطاع الحديدة من الحوثي وعزله في الجبل سيؤذن بحرب لا تنتهي.
ما لا يريد الناس فهمه هو أن إيران خلقت، فعليا، قاعدة تصنيعية للصواريخ والمسيرات في شمال اليمن. اليمن مشغل عسكري إيراني، ولم تعد الصواريخ تنقل على ظهور الجمال من فارس إلى أراضي حمير. استخدم ترامب تعبيراً دقيقاً حين قال: نقل الإيرانيون العقل إلى اليمن.
التواصل سياسياً مع الحوثي من أجل صيغة سلام تنهي الحرب واللاحرب هي أمنية غير قابلة للتحقق. يعمل العقل الحوثي من خلال سوفتوير يجعل من التواصل العاقل معه مسألة غاية في الصعوبة والتعقيد. هو الآن، عسكرياً، في أضعف حالاته، فقد انهار المحور، وتصدعت "وحدة الساحات". كما خسر الكثير في معركته مع أميركا، وخسر الأكثر في معركة القلوب والعقول التي خاضها مع شعبه.
بات، أخيراً، قابلاً للهزيمة. أي تلكؤ، أي حسابات بالقطعة، وأي نزاع جانبي سيفتح له باباً للنجاة.
وإن نجا الآن فلن تنجوا.