ثمة جدل متداول في موقع التواصل الاجتماعي (إكس X) يخوضه ساسة وإعلاميون وناشطون (وكثر منهم تحت أسماء مستعارة!) ممن ينتسبون إلى الدولة التي كانت تعرف سابقًا بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ويتساءلون - في خضم هذا الجدل الذي لا ينتهي - في ما اذا كانت محافظات مثل حضرموت وعدن وسقطرى قادرة على الحصول على حكم ذاتي حقيقي أو أبعد من ذلك لتصبح في المستقبل دولًا مستقلة عن الجمهورية اليمنية عطفًا على حق تقرير المصير وفق ما تكفله هيئة الأمم المتحدة أو القانون الدولي. (وينطبق الأمر ذاته تمامًا على ما كانت تعرف سابقًا بالجمهورية العربية اليمنية بالنسبة إلى تهامة وحقها في أن تصبح دولة مستقلة).
حسنًا.. تتمتع الشعوب وفق القانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة بحق تقرير المصير وهذا صحيح وهو حق أصيل لا شك في ذلك؛ لكن تطبيق هذا الحق في حالات معينة يمكن أن يكون معقدًا للغاية وسيثير تحديات قانونية وسياسية كبيرة، لا سيما باتجاه الوحدة الوطنية باعتبارها إحدى المبادئ الأساسية في دستور الجمهورية اليمنية وهي كذلك في العديد من دساتير دول العالم.
في الواقع هو أمر ليس معقدًا وحسب؛ بل وأكثر من شائك قد يؤدي إلى مواجهات سياسية تعقبها على الأرجح مواجهات عسكرية لأن ذلك وفق دستور الجمهورية اليمنية تهديد للوحدة الوطنية، وقد يؤدي ذلك - تاليًا - إلى نزاعات إقليمية من شأنها أن تؤثر على أمن واستقرار دول المنطقة.
وفق ميثاق هيئة الأمم المتحدة والقانون الدولي فإنَّ الحق في تقرير المصير محصور في حالتين، الأولى: هي حالة الشعوب الخاضعة للاستعمار أو الاحتلال، حيث بموجب هذا الحق يكون لها الحق بالتخلص من الاستعمار أو الاحتلال الأجنبي أو التمييز العنصري وأن تحكم نفسها بنفسها. والثانية: هي حالة الأقليات التي تتعرض إلى الاضطهاد أو التمييز العنصري الممنهج من قبل الدولة القائمة.
يقول تقرير نشره موقع دويتشه فيله الألماني في العام ٢٠١٧: "رغم أن حق الشعوب في تقرير مصيرها مبدأ أساسي في القانون الدولي، إلا أن الحفاظ على وحدة أراضي أي دولة لا يقل أهمية عن ذلك. وتنطلق الحكومة الكاتالونية من المبداً الأول لتبرير الانفصال أو الاستقلال، بينما تستند الحكومة المركزية في إسبانيا على المبدأ الثاني. في القانون الدولي ليس هناك حق للانفصال ما لم يتفق الطرفان عليه، وهذا لا ينطبق على كاتالونيا."
ويضيف التقرير: "ليس القانون الدولي هو وحده من يحمي الوضع الراهن للدول، بل القانون الأوروبي أيضاً. وتنص المادة ٤ من معاهدة الاتحاد الأوروبي على أنه (يجب على الدول أن تحترم هوياتها الوطنية التي يتم التعبير عنها في هياكلها السياسية والدستورية الأساسية، بما في ذلك الحكم الذاتي الإقليمي والمحلي)، فضلًا عن الحفاظ على [وحدة أراضيها]، بمعنى أن الانفصالات غير مرغوب فيها."
إنَّ الوضع في اليمن ليس معقدًا وحسب؛ بل وأكثر من شائك، مثلما أكدت ذلك من قبل مرات عدة خلال أعوام فائتة. وفي حين ثمة آمال وطموحات تبدو ممكنة التحقيق ولو على المدى البعيد؛ تشير الأحداث على الأرض - على نحو مؤسف - إلى أن الحلول الحاسمة ما زالت غير واضحة وسط هذا التعقيد.
• المصدر أونلاين