في رحلة البحث عن مستقبل أفضل، يبدو اليمن كسيارة تهرول بلا سائق، تندفع نحو المجهول دون مكابح أو دليل، فمنذ العام 2011، ونحن نشهد تقلباتها، وكلما ازدادت الأحداث تعقيدًا، كلما بدا الطريق أكثر وعورة والمستقبل أكثر غموضًا.
وفي عالم تتشابك فيه المصالح وتتقاطع الأيديولوجيات، تبرز تساؤلات جوهرية حول دور اليمن ومستقبله؟ هل يتحول إلى ساحة للنفوذ الخارجي، مستغلاً كقاعدة سرية لأجندات لم يختارها الشعب؟ وهل الفوضى التي تعصف به تجعله مأوى للإرهاب بدلاً من أن يكون مهدًا للحضارات؟
ومع التطلع نحو التغيير للأفضل، نجد أنفسنا متسائلين عن مصير تلك الأحلام في ظل الواقع المرير، لماذا تبدو الخطى متعثرة رغم الرغبة العارمة في التقدم؟ ولماذا على الرغم من العداء المعلن للتدخلات الأجنبية، لم تجد اليمن الدعم الكافي لكتابة مسارها بأيدي أبنائها؟
إن الأزمة اليمنية ليست مجرد صراع مسلح أو انفصالي، بل هي صراع هويات وتاريخ وأحلام مؤجلة، السعي نحو استقلالية القرار وحماية السيادة يتطلب أكثر من مجرد توقيع اتفاقيات، بل إنه يتطلب إرادة حقيقية وتنازلات من كل الأطراف، بما في ذلك الدول التي ترى في اليمن ساحة للتنافس بدلاً من شريك في السلام.
أمام هذه التحديات، يبرز الحل اليمني بإشراف دولي كمسار واعد، لكنه يتطلب التزامًا جادًا من كل الفاعلين الدوليين والمحليين، ولا بد من النظر إلى اليمن كأكثر من مجرد أرض للصراع، بل كوطن لشعب يستحق العيش في أمن وسلام وكرامة.
برينا ـن الحل يتطلب جهودًا مشتركة لتجاوز الخلافات السياسية والانقسامات الطائفية الي برزت مؤخراً، وبناء مستقبل يعمه الاستقرار والإزدهار لكل اليمنيين.
والمفتاح لتحقيق ذلك يكمن في الحوار الشامل والمصالحة الوطنية، حيث يتوجب على كل الأطراف اليمنية الجلوس إلى طاولة المفاوضات بنية صادقة للتوصل إلى حلول مستدامة، يجب أن ترافق هذا الحوار ضمانات دولية لتنفيذ الاتفاقيات وحماية العملية الانتقالية.
كما أن دور الجاليات اليمنية في الخارج والمواطنين اليمنيين أنفسهم لا يمكن إغفاله أو تجاوزه في رسم مستقبل بلدهم، فهم يمثلون عصب الاقتصاد القائم والذي يحول دون حدوث مجاعة برغم سنين الحرب الطوال، وإن توحيد الجهود والضغط الشعبي على القوى السياسية والمجتمع الدولي يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في دفع عجلة السلام والتنمية قدمًا.
وفي نهاية المطاف، الحل في اليمن يجب أن يكون يمنيًا بالأساس، يحترم سيادة اليمن ويعزز من قدراته على العيش كدولة مستقلة ذات سيادة، ولا نغفل الدعم الدولي فهو ضرورة للخروج من الأزمة الحالية، ويجب أن يأتي في إطار تعزيز القرار اليمني وليس فرض للأجندات الخارجية.
لتحقيق كل ذلك، يتوجب علينا جميعًا - سواء كنا يمنيين في الوطن أو المهجر، أو أصدقاء لليمن حول العالم - العمل معًا لصياغة رؤية موحدة تضع مصلحة اليمن وشعبه فوق كل اعتبار، عبر الحوار والمصالحة والتعاون، وبهذا يمكننا بناء يمن جديد يسوده السلام والاستقرار.
عاشت اليمن حرة مستقلة، والله من وراء القصد.
الشيخ علي عبداللطيف الصايدي
رئيس الجالية اليمنية في نيويورك