شبوة بين الثأر والفوضى الأمنية.. عودة الثأر وغياب الدولة بعد سيطرة الانتقالي

عامة

تشهد محافظة شبوة تصاعدا مقلقا في حوادث الثأر والانفلات الأمني، بالتوازي مع تراجع واضح لدور مؤسسات الدولة، منذ مغادرة المحافظ السابق محمد صالح بن عديو، وتعيين عوض ابن الوزير، ودخول تشكيلات المجلس الانتقالي الجنوبي وسيطرتها العسكرية والأمنية على المحافظة.

هذا التحول أعاد إلى الواجهة أنماطا خطيرة من العنف القبلي وتنفيذ “الأحكام” خارج إطار القضاء، في مشهد يعكس هشاشة الوضع الأمني وتآكل سلطة القانون.

أحدث هذه الوقائع تمثّل في جريمة إعدام الشاب أمين ناصر باحاج بطريقة عرفية صادمة، أثارت موجة غضب واستياء واسعة في الأوساط الحقوقية والمجتمعية، بوصفها مؤشرًا صارخًا على خطورة الفلتان الأمني وغياب مؤسسات الدولة في المحافظة.

 

جريمة تهزّ الرأي العام

في يوم الأربعاء 10 ديسمبر/كانون الأول 2025، أقدم الشاب أمين باحاج على قتل المواطن باسل البابكري، على خلفية خلاف شخصي، في مديرية حبان.

وعلى الرغم من جسامة الجريمة، فإن مسار الأحداث اللاحق كشف انهيار منظومة العدالة، فبدلا من تسليم المتهم للجهات الأمنية والقضائية، سارعت أسرة باحاج إلى تسليمه لأسرة المجني عليه، في سابقة خطيرة.

وأظهر مقطع فيديو متداول لحظة التسليم، حيث قال أحد أقارب الشاب: «هذاك ابنكم وهذا ابننا، نسلمه لكم، تعدموه أو تسجنوه أو تفعلوا ما شئتم»، قبل أن يغادر المكان.

بعدها مباشرة، أقدم أفراد من أسرة المجني عليه على تكبيل الشاب وطرحه أرضًا، فيما كان يردد: «والله إني مظلوم»، قبل أن يُطلقوا عليه وابلاً من الرصاص من أسلحة رشاشة، في مشهد دموي أثار صدمة واسعة لدى الرأي العام.

 

ردّ أمني باهت

عقب انتشار الفيديو، قالت شرطة محافظة شبوة، الخاضعة لتشكيلات المجلس الانتقالي، إن الأجهزة الأمنية تحركت إلى موقع الحادثة وطوقت المكان، لكنها تحدثت عن عدم تعاون الأطراف المعنية، بذريعة ما سمته “إطفاء الفتنة”.

وأكدت الشرطة فتح تحقيق في الواقعة، والتزامها باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، إلا أن هذه التصريحات قوبلت بتشكيك واسع، في ظل تكرار حوادث مشابهة دون محاسبة فعلية، ما يعزز القناعة بضعف إنفاذ القانون وغياب هيبة الدولة.

 

ظاهرة متصاعدة وليست حادثة معزولة

لم تكن حادثة باحاج الأولى من نوعها. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2025، أقدمت قبائل من ربيز على إعدام الشاب عبدالقادر حسن السيد الجنيدي، عقب ارتكابه جريمة قتل بحق المواطن العجي علي الربيزي، في مديرية نصاب، بعد تسليمه من قبل قبيلته.

وتشير هذه الوقائع إلى تصاعد خطير لظاهرة الإعدامات العرفية، وتنفيذ العقوبات بوسائل قبلية، في ظل فراغ أمني وقضائي واضح، وتنامي منطق القوة على حساب القانون.

 

تحذيرات حقوقية

في تعليقها على هذه الحوادث، حذّرت المحامية هدى الصراري، رئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، من تفشي الأحكام العرفية وتنفيذ الإعدامات خارج نطاق القضاء، مؤكدة أن هذه الممارسات باتت واقعا يوميا في مناطق عدة، خصوصا البعيدة عن مركز المحافظة.

وقالت الصراري إن المواطنين يعيشون في فراغ شبه كامل لمؤسسات الدولة، وضعف شديد في المنظومة القضائية، إلى جانب الانقسامات السياسية، ما أتاح لجماعات مسلحة وفصائل محلية وقبلية فرض سلطتها بالقوة، والتصرف في أرواح الناس دون أي سند قانوني، الأمر الذي يكرّس الخوف وانعدام الأمان.

 

رفض مجتمعي متزايد

في المقابل، عبّر ناشطون ووجهاء اجتماعيون عن رفضهم القاطع لما أقدمت عليه أسرة البابكري، مؤكدين أن ما حدث مرفوض شرعًا وقانونًا وعرفًا، ولا يمكن تبريره بذريعة الثأر أو القصاص.

وأشاروا إلى أن الشريعة الإسلامية صانت كرامة الإنسان، وحددت ضوابط صارمة للقصاص لا تُنفذ إلا عبر القضاء، محذرين من أن مثل هذه الأفعال تفتح أبواب الفوضى، وتضرب النسيج الاجتماعي، وتشوه صورة شبوة وقبائلها.

 

غياب الدولة جوهر الأزمة

ويرى مراقبون أن تصاعد الثأر والانفلات الأمني في شبوة يرتبط مباشرة بمرحلة ما بعد مغادرة المحافظ السابق محمد بن عديو، حيث شهدت المحافظة، بحسب ناشطين، تراجعا في أداء المؤسسات الأمنية والقضائية، مقابل صعود نفوذ التشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي.

وقال الناشط الإعلامي علي الشريف إن هذه الظواهر “نتاج مباشر لغياب الدولة”، مؤكدًا أن القضايا الجنائية من اختصاص القضاء، وأن تركها للأعراف والسلاح يعني فتح الباب أمام دوامة لا تنتهي من العنف.

 

إدانة دولية وتحذير من الإفلات

من جهته، أدان المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) إعدام الشاب أمين باحاج، معتبرًا الحادثة جزءًا من نمط مقلق لانتشار الثأر وتنفيذ العقوبات خارج مؤسسات الدولة.

وأكد المركز أن احتكار الدولة لسلطة العقاب مبدأ دستوري أصيل، وأن تجاوزه يقوّض سيادة القانون والمساواة أمامه، ويفتح المجال أمام حكم السلاح والانتماء القبلي.

ودعا إلى تحقيق عاجل وشامل يشمل جريمة القتل الأولى وما تلاها من إعدام خارج القضاء، محذرًا من أن التهاون سيكرّس الإفلات من المساءلة ويغذي الفوضى.

 

شبوة إلى أين؟

تعكس هذه التطورات مشهدًا قاتمًا لمستقبل الأمن في شبوة، في ظل غياب الدولة، وتراجع دور القضاء، وصعود سلطات موازية تفرض “عدالتها” بقوة السلاح.

وبينما تتسع دائرة الثأر، يحذّر حقوقيون وناشطون من أن استمرار هذا المسار سيحوّل المحافظة إلى ساحة مفتوحة للعنف، ما لم تُستعد هيبة الدولة، وتُفعّل مؤسساتها الأمنية والقضائية، ويُحاسَب المتورطون دون استثناء.

وفي ظل هذا الواقع، تبقى شبوة مثالًا صارخًا على كلفة الفوضى، حين تغيب الدولة، ويُترك المجتمع فريسة للثأر والسلاح.