نشر مركز «ستراتفور» للدراسات الإستراتيجية والأمنية تقريرًا يستشرف فيه مستقبل موسم الحج في عام 2021 مع استمرار تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، ويخلُص فيه الموقع الأمريكي إلى أن التباطؤ الذي يكتنف عمليات طرح لقاح كوفيد-19 في جميع أنحاء العالم الإسلامي يُنذر بموسم حج باهت آخر، الأمر الذي يحرم المملكة من عائدات السياحة الدينية الحيوية.
ويستهل الموقع الأمريكي تقريره بالإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية تسعى سعيًا حثيثًا لتهيئة الظروف التي تَكفُل نجاح صناعتها السياحية قبيل انطلاق موسم الحج هذا العام.
ولكن من غير المرجح تحقيق أرقام ما قبل الجائحة من دون زيادة وتيرة توزيع لقاحات كوفيد-19 في دول العالم الإسلامي، الأمر الذي يؤدي إلى إبطاء الانتعاش الاقتصادي في المملكة ويُعطل مسارها التنموي في إطار رؤية 2030.
ولفت التقرير إلى أنه في 9 مارس (آذار)، وافق العاهل السعودي الملك سلمان على سلسلة من التدابير الرامية إلى المساعدة في استئناف اقتصاد الحج المُعَلَّق في المملكة قبل موعد الحج السنوي، والذي سيوافق شهر يوليو (تموز) من هذا العام.
وتشمل هذه التدابير تخفيف رسوم الشركات والمقيمين ووسائل النقل التي تعتمد على موسم الحج السنوي بصفته مصدرًا للدخل.
وهذا يشير إلى أن السعودية تستعد لإستئناف صناعة السياحة الدينية بعد الكُمون الذي ساد عام 2020، إذ انخفضت الأعداد السنوية من الحجاج من 2.5 مليون في عام 2019 إلى بضعة آلاف فقط في عام 2020.
تأثير الجائحة
وأشار التقرير إلى أن تأثير جائحة كوفيد-19 على السياحة، لا سيما سياحة الحج، يقوِّض مصدرًا رئيسًا من مصادر الإيرادات الحيوية لإستراتيجية السعودية لتنويع اقتصادها وعدم الاعتماد على النفط فحسب. وتستهدف السعودية جذب 100 مليون سائح سنويًّا بحلول عام 2030 وتوظيف حوالي 1.2 مليون سعودي في هذه الصناعة، ارتفاعًا من 900 ألف في الوقت الحالي.
وتشمل هذه الإستراتيجية زيادة السياحة لموسم الحج، فضلًا عن الزيارة لأداء العمرة على مدار العام.
كذلك تشمل إنشاء أماكن إقامة فاخرة بالقرب من المواقع التاريخية والسواحل السعودية لجذب المزيد من السياحة غير الدينية.
وتُعد إدارة موسم الحج مصدرًا رئيسًا للشرعية الدينية والسياسية للنظام الملكي في السعودية، ومصدر فخر وطني للسعوديين أيضًا.
وقد شكَّل مبلغ 70.9 مليارات دولار أمريكي العائد من موسم الحج لعام 2019 ما نسبته 8% من إجمالي الناتج المحلي السعودي في ذلك العام، ونحو 20% من إجمالي الإيرادات غير النفطية للمملكة.
وألمح التقرير إلى أن عددًا كبيرًا من المغتربين، لم تحدده المملكة بعد، قد غادروا السعودية خلال جائحة كوفيد-19، مما أدَّى إلى استبعاد بعض العمالة ذوي الخبرة في صناعة السياحة في السعودية.
ولم يتضح بعد عدد الذين سيعودون مجددًا.
زيادة الحوافز
ورجَّح التقرير أن تعمل السعودية على زيادة حوافزها للحجاج للعودة إلى المملكة، فضلًا عن تشجيع المستثمرين والعمال للمساعدة في إعادة تشغيل الصناعة السياحية في المملكة، للحيلولة دون استمرار ركود الإستراتيجية السياحية في رؤية عام 2030.
وفي الوقت الحالي، تحتفظ السعودية بضوابط صارمة على الحدود للسيطرة على انتقال عدوى كوفيد-19، ولكن الرياض قد تُخفف هذه الضوابط للسماح بدخول الحجاج الذين تلقَّوا اللقاحات.
كما يمكن للمملكة أن تعزز برنامجها المستمر للتحفيز الاقتصادي المرتبط بكوفيد–19 وذلك لتحقيق الاستقرار في صناعة السياحة خلال مدة الانتعاش الجارية.
ومنذ بداية جائحة كوفيد-19، أعلنت الحكومة السعودية حوافز بقيمة 61 مليار دولار للقطاع الخاص، بما في ذلك دعم الأجور بنسبة 60% للموظفين السعوديين، في محاولة لإبقاء الصناعات الرئيسة مثل السياحة جاهزة لانتعاش ما بعد كوفيد–19.
تحديات من خارج المملكة
لكن التقرير استبعد أن يكون لهذه الجهود تأثير كبير في موسم الحج هذا العام، وذلك لأن نقص اللقاحات واختلال نظم الرعاية الصحية ما زالت تعوق حملات التلقيح في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
ومن بين 2.5 ملايين سائح زاروا السعودية في عام 2019، جاءت الغالبية العظمى (ما يقرب من 83%) من دول آسيوية وأفريقية ومن خارج مجلس التعاون الخليجي.
ويشمل ذلك ماليزيا وإندونيسيا وباكستان والهند، والتي تتبَاطأ فيها حاليًا عمليات طرح اللقاحات.
وحتى 8 مارس، حصل ما نسبته 2% فقط من سكان بنجلاديش، التي يقطنها 152 مليون مسلم، على اللقاح.
وفي الوقت نفسه، لم يحصل على اللقاح سوى 1.1% فقط من سكان إندونيسيا، والتي خرج منها أكبر عدد من الحجاج في عام 2019.
فرصة المملكة
ويوضح التقرير أن هناك فرصة لاجتذاب السياح تتمثل في أن توفر السعودية لقاحات للحجاج الجدد، بل إن الرياض قد تعدِّل من قدرتها على تحمل المخاطر بالنسبة للسياح غير المُحصَّنين بتحصين السكان السعوديين أنفسهم لتجنب الضرر الأكبر الذي يمكن أن يقع على إستراتيجيتها الخاصة بالسياحة في إطار رؤية عام 2030.
وتسمح الثروة الهائلة للمملكة بشراء كميات كبيرة من اللقاحات.
وتتضمن إستراتيجية المملكة فيما يتعلق بلقاح كوفيد-19 تلقيح المقيمين الأجانب فيها الذين يُقدَّر عددهم بنحو 10 ملايين شخص، الأمر الذي يعطي الأولوية لتقاسم اللقاحات مع غير السعوديين لتحسين الأداء الاقتصادي في المملكة.
وحتى إلى جانب تقديم اللقاحات للأجانب سواء في الداخل أو الخارج، من المرجح أن تُخفف السعودية النهج التقييدي إزاء عمليات الإغلاق ومراقبة الحدود مع تلقي المزيد من سكانها للقاح، حيث ساعدت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة في بناء الثقة العامة من أجل تلقي اللقاح على نحو سريع.
ونوَّه التقرير إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تجرِّب بالفعل «سياحة اللقاحات»، من خلال السماح لعدد قليل من السياح الأثرياء بالزيارة وتلقي اللقاح.
ولكي تستفيد الرياض من جذب أكبر موجة من الحجيج هذا العام، سوف تحتاج المملكة إلى تنفيذ سياسة لإنجاح موسم الحج بحلول الصيف، ذلك أن العطلة الدينية تبدأ غالبًا بحلول منتصف شهر يوليو، حسب ما يختم الموقع الأمريكي تقريره.