كشفت مصادر سياسية رفيعة في السلطة الشرعية اليمنية عن تحركات مكثفة تجري في العاصمة السعودية الرياض، في إطار وساطة يقودها عضوا مجلس القيادة الرئاسي سلطان العرادة وطارق صالح، في محاولة أخيرة لإقناع المجلس الانتقالي الجنوبي بالانسحاب الكامل من محافظتي حضرموت والمهرة، وتجنيب البلاد مزيدًا من التصعيد.
وبحسب المصادر، فإن فشل هذه المساعي قد يدفع القيادة الشرعية إلى خيارات أكثر صرامة، تشمل العمل العسكري وفرض عقوبات، بعد استنفاد مسارات الحوار والتهدئة.
وفي السياق ذاته، التقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في الرياض، رئيس حلف قبائل حضرموت الشيخ عمرو بن حبريش، ومحافظ حضرموت سالم الخنبشي، حيث جرى بحث الترتيبات الأمنية والإدارية في المحافظة خلال المرحلة المقبلة، في أعقاب التطورات الأخيرة، وبما يضمن استعادة الاستقرار وتعزيز سلطة الدولة.
العليمي: ما يجري تمرد مسلح لا خلاف سياسي
وأكد العليمي، خلال استقباله السفير الأميركي لدى اليمن ستيفن فاغن، أن ما تواجهه الدولة اليمنية اليوم “لا يندرج ضمن تباينات سياسية”، بل يتمثل في “تمرد مسلح على سلطة الدولة وقراراتها السيادية ومرجعيات المرحلة الانتقالية”، محذرًا من أن ذلك يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن الوطني، وقد يحول اليمن إلى بؤرة اضطراب إقليمي.
وأوضح رئيس مجلس القيادة أن هذا التمرد انعكس سلبًا على أولويات المجتمع الدولي، وفي مقدمتها مواجهة المليشيات الحوثية المدعومة من إيران، ومكافحة تنظيمي القاعدة وداعش، وحماية أمن الممرات البحرية وإمدادات الطاقة، وأمن دول الجوار، لافتًا إلى أن الإجراءات الأحادية أتاحت للحوثيين إعادة التحشيد وخلقت بيئة مواتية لعودة الجماعات الإرهابية.
وشدد العليمي على أن مكافحة الإرهاب “قرار سيادي تمارسه مؤسسات الدولة المختصة”، محذرًا من استخدام هذا الملف ذريعة لفرض أمر واقع بالقوة أو تقويض مؤسسات الشرعية.
قرارات رئاسية لحماية الدولة والمدنيين
واستعرض رئيس مجلس القيادة الجهود التي بذلتها الرئاسة لتفادي التصعيد، من بينها منع أي تحركات عسكرية خارج إطار الدولة، وإقرار خطة وطنية لإعادة التموضع في وادي حضرموت، وتشكيل لجنة تواصل رفيعة المستوى بعد استنفاد قنوات الحوار، مشيرًا إلى أن تعطيل اجتماعات مجلس القيادة والحكومة أسهم في تعقيد المشهد.
وأكد أن القرارات الرئاسية الأخيرة جاءت كوسيلة سلمية لحماية المدنيين ووقف الانتهاكات، واستنادًا إلى الدستور وصلاحياته السيادية، وفي مقدمتها إعلان حالة الطوارئ، وقيادة القوات المسلحة، معتبرًا أن تلك القرارات “ضرورة دستورية لحماية الدولة والمواطنين، وليست خيارًا سياسيًا”.
وجدد العليمي التزام الدولة بحل عادل للقضية الجنوبية عبر الإرادة الشعبية الحرة، مع رفض فرض أي حلول بقوة السلاح أو اختزال التمثيل، محذرًا من أن اختطاف القضية الجنوبية يقود إلى صراع طويل الأمد. كما أكد تقدير اليمن للدور الذي اضطلعت به الإمارات في مراحل سابقة، مع التشديد على أن دعم أي مكونات خارجة عن القانون يمثل مخالفة صريحة لمرجعيات المرحلة الانتقالية وأسس تحالف دعم الشرعية.
من جانبه، أكد السفير الأميركي دعم بلاده لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، وحرص واشنطن على مواصلة العمل مع القيادة اليمنية وشركائها لتحقيق السلام الشامل وإنهاء معاناة الشعب اليمني.
رفض انتقالي ودعوات للتهدئة
في المقابل، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي رفضه القرارات الرئاسية الأخيرة، واعتبرها “انفرادية” وتفتقر إلى السند الدستوري والسياسي، محمّلًا رئيس مجلس القيادة مسؤولية ما جرى في ميناء المكلا، وواصفًا الإجراءات بأنها استهداف لمنشآت مدنية.
كما أكدت هيئات تابعة للانتقالي أن إعلان الطوارئ لا يمثل الجنوب سياسيًا، مجددة تمسكها بما تسميه الشراكة والتوافق، ورافضة فرض أي قرارات بالقوة.
وفي موقف داعٍ للتهدئة، دعت مرجعية قبائل حضرموت جميع الأطراف، بما فيها المجلس الانتقالي، إلى تحكيم العقل والجلوس إلى طاولة الحوار، محذرة من جر المحافظة إلى صراعات جديدة. ورحبت المرجعية بالقرارات الرئاسية التي منحت سلطات أوسع لمحافظي حضرموت والمهرة، وثمّنت الدور السعودي في منع تدفق شحنات عسكرية غير مرخصة، معتبرة أن ذلك يسهم في حفظ الأمن والاستقرار.
تحركات إقليمية موازية
إقليميًا، بحث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع نظيره العماني بدر بن حمد البوسعيدي مستجدات الأوضاع في اليمن وانعكاساتها على الأمن الإقليمي، والتأكيد على مواصلة الجهود الرامية لاحتواء التصعيد ودعم مسار سياسي شامل يحفظ سيادة اليمن ويحقق الاستقرار للمنطقة.
وتعكس هذه التطورات مرحلة دقيقة تمر بها البلاد، في ظل مساعٍ سياسية مكثفة لتفادي الانزلاق نحو مواجهة أوسع، مقابل تحذيرات واضحة من أن فشل الحوار قد يفتح الباب أمام خيارات أكثر حسمًا.
