كيف تراجعت صناعة السيارات الأوروبية مقابل الصعود الصيني؟

تكنولوجيا

سيارات من تصنيع "بي واي دي" الصينية (غيتي)

تعيش صناعة السيارات الأوروبية تحولا جذريا يهدد قدراتها التنافسية ومكانتها في الأسواق، وتشير البيانات الحديثة إلى تراجع قدرات التصنيع بالتزامن مع صعود قياسي لصناعة السيارات الكهربائية في الصين، إضافة إلى تحديات كبيرة بين مواكبة الابتكار والتطوير وبين الحفاظ على جوهر الصناعة الكلاسيكي لسيارات الوقود التقليدي.

السيارات الأوروبية وخسارة الحصة العالمية

دقت بيانات رابطة مصنعي السيارات الأوروبية ناقوس الخطر في عام 2024، مشيرة إلى انتقال الصناعة من التباطؤ إلى فقدان حصة التصنيع العالمية.

على الرغم من نمو إجمالي مبيعات الاتحاد الأوروبي بنسبة 0.8% لتصل إلى 10.6 ملايين مركبة، فإن هذا النمو كان محدودا ومُركّزا في أسواق قليلة مثل إسبانيا، بينما تراجعت الأسواق الرئيسية مثل ألمانيا وفرنسا، في حين نما سوق السيارات العالمي بـ2.5% ليلغ نحو 92.5 مليون وحدة.

المؤشر الأكثر إثارة للقلق هو التباين بين المبيعات والإنتاج، إذ انخفضت حصة إنتاج الاتحاد الأوروبي بشكل حاد بنسبة 6.2% العام الماضي، مقابل ارتفاع الإنتاج الصيني 5.2% ما عزز مكانتها كأكبر منتج للسيارات بحصة وصلت إلى 35.4% من الإنتاج العالمي.

صناعة السيارات الأوروبية في مواجهة التحديات

نقلت صحيفة فايننشال تايمز عن الرئيس التنفيذي لشركة "والينيوس فيلهلمسن"، لاز كريستوفرسن قوله إن صناعة السيارات الأوروبية تواجه ضغوطا تتمثل في تباطؤ الطلب في السوق المحلي وانكماش المبيعات في الأسواق الخارجية (خاصة الصين)، بالإضافة إلى ارتفاع الرسوم الجمركية الأميركية.

ورغم القيود التجارية الأوروبية والأميركية على الصين، أظهرت بيانات الشركة المتخصصة في الشحن قفزة كبيرة في الصادرات الصينية بـ23% إلى 6.4 ملايين مركبة خلال العام الماضي مع توقعات بأن تستحوذ الصين على 30% من سوق السيارات العالمي بحلول عام 2030، ارتفاعا من 21% في 2024.

وسجلت العلامات التجارية الصينية توسعا في السوق الأوروبية، حيث شكلت مبيعاتها 5.7% من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة خلال الأشهر الـ9 الأولى من العام، فيما بلغت حصة الصين من سوق السيارات الكهربائية في أوروبا 10% خلال الفترة ذاتها.

 

 

انكماش سوق السيارات الأوروبية

كشفت بيانات رابطة مصنّعي السيارات الأوروبية "إيه سي إي إيه" (ACEA)  الأداء السلبي للسوق الأوروبية في النصف الأول من عام 2025، إذ انخفضت تسجيلات السيارات الإجمالية في الاتحاد الأوروبي بـ1.9%، في الوقت الذي ارتفعت فيه التسجيلات عالميا بـ5%، ما يضاعف من أعباء المصنعين الأوروبيين بعد تقلص إنتاجهم بنحو 2.6% متأثرا بتحديات هيكلية تشمل ارتفاع تكاليف الطاقة ومتطلبات الانبعاثات الصارمة.

كما ارتفعت حصة السيارات المصنوعة في الصين (علامات صينية أو مصانع غربية مقرها الصين) إلى 6% من إجمالي مبيعات الاتحاد الأوروبي.

السيارات الأوروبية وتباطؤ التحول الكهربائي

في سياق التحول نحو الطاقة النظيفة، ارتفعت حصة السيارات الكهربائية العاملة بالبطارية في سوق الاتحاد الأوروبي إلى 15.6% في النصف الأول من 2025، وتجاوزت 16% حتى سبتمبر/أيلول بحسب رابطة مصنعي السيارات الأوروبية.

في المقابل، حافظت السيارات الهجينة على مكانتها خيارا مفضلا للمستهلكين، مستحوذة على 34.8% من السوق، هذا التفضيل الواضح للهجين يبين أن المستهلكين الأوروبيين ما زالوا يواجهون تحديات تتعلق بالتكلفة أو البنية التحتية في الطرازات الكهربائية الكاملة، ما يعيق سرعة التبني الشاملة المطلوبة لتحقيق الأهداف المناخية للقارة.

التفوق الصيني

التسجيلات العالمية أكدت مكانة الصين من خلال ارتفاعها في النصف الأول من العام الجاري، مدفوعة بحوافز وسياسات حكومية داعمة.

وتُنتج الصين أكثر 12.4 مليون سيارة كهربائية سنويا ما يمثل أكثر من 70% من الإنتاج العالمي، في وقت لم تتجاوز الحصة الأوروبية 17% (3.2 ملايين سيارة) و7% للإنتاج الأميركي.

وحظيت الشركات الصينية بمزايا تنافسية كبيرة وانعكست في الكلفة والجودة، ومع نهاية عام 2025، ستُنهي الصين الإعفاءات الضريبية الكاملة على مركبات الطاقة الجديدة، ما يؤكد اهتمام الصين بالتوجه نحو الكفاءة الذاتية للصناعة بعد سنوات من الدعم.

وقال الخبير في الشأن الصيني سامر خير، في حديث مع الجزيرة نت، إن سبب تفوق السيارات الكهربائية الصينية يعود إلى :

  • الدعم الحكومي وهو ما يجعل كلفتها أقل مقارنة بنظيرتها الأوروبية، الأمر الذي أدى لاحتجاجات أوروبية على ما تسميه "سياسة الإغراق الصينية" ودعمها لهذه الصناعة بحيث لا يمكن منافستها من حيث الكلفة والأسعار.
  • ولا يقتصر التفوق الصيني، حسب خير، على الدعم والكلفة المنخفضة، بل يتعداه إلى الجودة العالية إذ طوّرت الصين من صناعتها مستفيدة من الأزمة المالية العالمية، كما قامت بشراء ومشاركة مصانع السيارات الكبرى في أوروبا ونقل التكنولوجيا وتقليدها، حتى وصلت لمرحلة تضاهي فيها السيارات الأوروبية من حيث الجودة وربما تتفوق عليها.

وأرجع الخبير الاقتصادي محمد موسى تراجع صناعة السيارات الأوروبية إلى بطء انتقالها للمركبات الكهربائية وارتفاع كلفة الإنتاج وتراجع وتيرة الابتكار في البطاريات والبرمجيات، في مقابل سلسلة توريد صينية مكتملة من المعادن إلى البطاريات، ودعم حكومي سخي وتطور سريع ولّد قدرة تنافسية في الأسعار والتقنيات.

ومن المتوقع أن تتجاوز مبيعات السيارات الكهربائية الصينية عالميا 20 مليون مركبة هذا العام، ما يرسخ موقع الصين كأكبر منتج والأسرع توسعا في هذا القطاع.

 

 

وأشار "موسى" إلى ضرورة أن ترسخ الصين الثقة في الجودة والمتانة لصناعتها على المدى الطويل، إضافة إلى بناء علامات تجارية تتمتع بالرمزية والهيبة التي كانت قد راكمتها الشركات الأوروبية.

سباق البطاريات

تمثلت نقطة القوة الأكبر للصناعة الصينية في سيطرتها على ثلثي إمدادات البطاريات والمواد الخام، فحسب تقرير صادر عن "إس آند بي غلوبال" فإن الصين تسيطر على ما يراوح بين 70 إلى 80% من المواد الرئيسية في سلاسل توريد البطاريات، بينما تظهر دراسة لمعهد "فراونهوفر" لأبحاث البطاريات إلى سيطرة بكين على 98% من إنتاج بطاريات ليثيوم فوسفات الجديد الأكثر كفاءة.

ولم تكتفِ الصين بذلك، بل توجهت نحو إنشاء قواعد تصنيع البطاريات خارج حدودها واختارت المغرب ليستضيف واحدة من هذه القواعد، حيث ستضخ شركة "غوشين هاي تيك" الصينية استثمارات بـ5.6 مليارات دولار لإنشاء مصنع في مدينة القنيطرة بهدف إنتاج 20 ميغاواطا/ ساعة سنويا مع طموحات برفعها إلى 100 خلال عام.

ويؤكد هذا التمركز الصيني قدرة بكين على توفير البطاريات منخفضة التكلفة في المحيط الأوروبي مما يعزز ميزتها التنافسية ويساعد في تجاوز الحواجز الجمركية.

شروط عودة مكانة السيارات الأوروبية

قدمت شركة الاستشارات الأميركية ماكينزي وكومباني جملة من التوصيات لتعيد لصناعة السيارات الأوروبية جزءا من قوتها وتعزز قدرتها التنافسية تتلخص في النقاط التالية:

  • خفض التكاليف بنسبة تصل إلى 20% مقارنة بالمستويات الحالية، مع تطبيق إستراتيجيات التصميم وفقا للتكاليف وتقليل الأجزاء.
  • الإسراع في الاستثمار الفردي لتطوير بطاريات "ليثيوم فوسفات الحديد" لتقليل الاعتماد على الشركاء الأجانب، مع توحيد الجهود لتوسيع منظومة أشباه الموصلات داخل أوروبا.
  • تحسين البنية التحتية للسيارات الكهربائية من خلال ضح استثمارات تصل إلى نحو 150 مليار دولار لتوسيع شبكات محطات الشحن إلى 2.5 مليون محطة بحلول 2030.

ويتفق  الخبير محمد موسى مع هذه النتائج ويرى وجوب خوض الصناعة الأوروبية للسيارات سباقا زمنيا لخفض الكلفة وتسريع الابتكار واستعادة المبادرة.

المصدر: الجزيرة