انطلقت اليوم السبت، في العاصمة العراقية بغداد، أعمال القمة العربية بنسختها الرابعة والثلاثين، وسط حضور واسع لقادة وممثلي الدول العربية، بالإضافة إلى شخصيات أممية ودولية، في مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز. وتأتي القمة في وقت حساس تمر به المنطقة، وسط تصاعد النزاعات، وعلى رأسها الحرب الإسرائيلية على غزة، والأزمات الممتدة في اليمن وسوريا والسودان وليبيا.
اليمن: صراع مستمر ومخاوف إنسانية
في مستهل جدول أعمال القمة، احتلت الأزمة اليمنية مساحة بارزة من النقاشات، خاصة بعد التصعيد العسكري الأخير في الحديدة، حيث استهدفت غارات إسرائيلية مواقع قالت إنها تستخدم لتهريب السلاح إلى الحوثيين، ما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين وتضرر البنية التحتية للميناء.
وحذر وفد اليمن الرسمي، ممثلاً برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد محمد العليمي، من مغبة استمرار استهداف ميناء الحديدة، مشيرًا إلى أن الميناء يعد شريان الحياة لملايين اليمنيين، وأن أي تصعيد فيه يهدد الأمن الغذائي لمناطق الشمال اليمني.
وطالب الوفد اليمني بضرورة تبني موقف عربي موحد يرفض عسكرة البحر الأحمر، ويحذر من محاولات تحويله إلى ساحة صراع إقليمي، مؤكدًا دعم الحكومة اليمنية للحلول السياسية الشاملة، وداعيًا إلى الضغط على جماعة الحوثي للانخراط الجاد في عملية السلام برعاية الأمم المتحدة.
غزة: الكارثة الإنسانية تتصدر المشهد السياسي
أما القضية الفلسطينية، فكانت حاضرة بقوة في كلمات معظم القادة العرب، إذ أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن فلسطين ستبقى القضية المركزية الأولى للجامعة، مندداً بما وصفه بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة. وتزامنت القمة مع مرور أكثر من 19 شهراً على بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، الذي أسفر عن عشرات آلاف القتلى والجرحى، ودمار واسع في البنية التحتية.
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إن السلطة الفلسطينية مستعدة لإجراء انتخابات عامة فور توفر الظروف، داعيًا إلى تبني خطة عربية مشتركة لوقف الحرب وتحقيق سلام شامل. من جانبه، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى استخدام نفوذه لوقف إطلاق النار، مؤكداً أن الجرائم الإسرائيلية في غزة تهدف إلى القضاء على الوجود الفلسطيني في القطاع.
بدوره، طالب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الذي شارك بصفة ضيف شرف، بإنهاء الكارثة الإنسانية في غزة فوراً، معلناً عن مشروع قرار مشترك مع فلسطين يُعرض على الأمم المتحدة لإنهاء الحصار المفروض على القطاع.
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استغل كلمته للدعوة إلى "عمل عربي جاد ومسؤول لإنقاذ غزة"، معلناً عن مساهمة عراقية بقيمة 40 مليون دولار لإعادة إعمار غزة ولبنان. كما أعلن عن 18 مبادرة عربية لتفعيل العمل المشترك، وهاجم السياسات الإسرائيلية التي وصفها بـ"المجازر"، داعياً إلى تفعيل دور وكالة الأونروا ودعمها مالياً وسياسياً.
سوريا، السودان، ليبيا: أزمات تبحث عن حلول
القمة ناقشت أيضاً ملفات الصراع في سوريا والسودان وليبيا. وأكدت مصادر دبلوماسية عراقية توافق القادة العرب على مشروع قرار لدعم الدولة السورية ورفض أي تدخل خارجي في شؤونها، مع الترحيب بما وصف بـ"الخطوات الداعمة للإدارة الجديدة" في دمشق. كما تناولت القمة الوضع في السودان وسط استمرار النزاع الأهلي، والبحث عن دور عربي في وقف الحرب وتقديم المساعدات الإنسانية. أما الملف الليبي، فظل حاضراً كقضية خلافية بسبب التباينات الإقليمية حول الأطراف المتنازعة.
المواقف العربية: وحدة في الكلمات.. وتباين في السياسات
رغم الإجماع الخطابي على مركزية القضية الفلسطينية وضرورة مواجهة التحديات الإقليمية، فإن تباين المواقف لا يزال واضحاً بين الدول العربية، خصوصاً فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، وتحديد أولويات التدخل في الأزمات الأخرى. وكان لافتاً غياب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، احتجاجاً على ما وصفه بتهميش دور بلاده في الملف الفلسطيني، في موقف يعكس استمرار الانقسام العربي حول آليات التعامل مع القضايا المصيرية.
إعلان بغداد: دعم لفلسطين وتركيز على الأمن العربي
من المتوقع أن يتضمن "إعلان بغداد"، الذي سيصدر في الجلسة الختامية، تأكيدًا على دعم القضية الفلسطينية، ورفض التهجير القسري، ودعوة إلى وقف فوري للعدوان على غزة. كما سيؤكد البيان على أهمية تعزيز العمل العربي المشترك في مواجهة التدخلات الخارجية، وتكثيف التنسيق السياسي والأمني والاقتصادي بين الدول العربية.
تأتي قمة بغداد في لحظة فارقة تشهد فيها المنطقة العربية واحدة من أعقد مراحلها السياسية والأمنية. وبينما تتزايد التحديات من اليمن إلى فلسطين، وسوريا إلى السودان، يبقى الرهان على قدرة القادة العرب في تحويل الخطابات الموحدة إلى خطوات فعلية، تعيد الاعتبار لدور عربي فاعل في رسم مستقبل المنطقة.