حنكة آل مسعود.. الوجه الخفي لانتهاكات الحوثيين في البيضاء

تقارير

في ظل تصاعد الانتهاكات التي تمارسها جماعة الحوثي بحق المدنيين في اليمن، يكشف هذا التقرير الحقوقي الموسّع عن الوجه الخفي لجرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الجماعة في منطقة حنكة آل مسعود بمحافظة البيضاء خلال يناير 2025.

فعلى مدار أيامٍ، شنت قوات الحوثي حملة عسكرية واسعة النطاق استهدفت سكان المنطقة، مستخدمةً القصف الجوي والمدفعي، وفرض الحصار الخانق، وشنّ حملات اعتقال ونهب، في مشهدٍ يعكس سياسة العقاب الجماعي التي دأبت الجماعة على ممارستها في المناطق الخارجة عن سيطرتها.

 

يحمل هذا التقرير، الصادر عن منظمة “سام للحقوق والحريات”، عنوان “حنكة آل مسعود.. صرخات مدفونة تحت الأنقاض”، ليضع أمام الرأي العام والمجتمع الدولي وثائق وشهادات حية عن الانتهاكات التي طالت الأبرياء، في محاولةٍ لإلقاء الضوء على حجم الكارثة الإنسانية التي لحقت بالسكان.

كما يستعرض التقرير السياق التاريخي والتصعيد العسكري الذي سبق الهجوم، والدوافع الحقيقية خلف هذه الحملة، وما ترتب عليها من خسائر بشرية ومادية، إضافةً إلى توثيق الجهود المحلية والدولية لوقف الاعتداءات، والمواقف الدولية إزاء ما حدث.

 

إن ما جرى في حنكة آل مسعود ليس مجرد انتهاكات عابرة، بل يُعدّ جريمةً جسيمة ضد الإنسانية تستوجب تحقيقًا دوليًا عاجلًا، لوضع حدٍّ لمسلسل الجرائم المستمرة، وضمان محاسبة مرتكبيها. وفي ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية، يطرح التقرير تساؤلاتٍ جوهرية: إلى متى ستستمر هذه الانتهاكات بلا رادع؟ وهل ستشهد العدالة الدولية تحركًا جادًا لحماية المدنيين في اليمن؟

 

كشف تقرير حقوقي موسّع صادر عن منظمة “سام للحقوق والحريات” عن انتهاكات جسيمة ارتكبتها جماعة الحوثي ضد سكان منطقة حنكة آل مسعود في محافظة البيضاء خلال يناير 2025. وأشار التقرير، الذي جاء بعنوان “حنكة آل مسعود.. صرخات مدفونة تحت الأنقاض”، إلى حملة عسكرية عنيفة نفذتها جماعة الحوثي ضد السكان، تخللتها عمليات قصف جوي ومدفعي مكثف، وفرض حصار خانق، واعتقالات تعسفية، ونهب ممتلكات، وانتهاكات طالت النساء والأطفال.

التقرير المكوّن من عشرة فروع استعرض السياق العام للأحداث، دوافع الحملة العسكرية، تفاصيل أيام الهجوم، إضافة إلى الانتهاكات المرتكبة، والآثار المترتبة على الحملة، وجهود الوساطات، ومواقف المجتمع المحلي والدولي، والتوصيات لمعالجة هذه الأزمة الإنسانية.

ففي السياق العام للأحداث

اورد التقرير  أن محافظة البيضا شهدت  تصعيدًا عسكريًا متكررًا من قبل جماعة الحوثي منذ عام 2014، حيث نفذت الجماعة حملات عسكرية ضد قرى قيفة، من بينها قرية خبزة والزوب وحمة صرار، ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا المدنيين وتدمير عشرات المنازل.

وفي يناير 2025، استهدفت جماعة الحوثي منطقة حنكة آل مسعود، التي تعد واحدة من أكبر التجمعات السكانية في مديرية القريشية، حيث يسكنها حوالي 10,000 نسمة، ويبلغ عدد المباني السكنية فيها نحو 1,800 منزل.

بين  التقرير أن دوافع الحملة العسكرية لجماعة الحوثية على المنطقة يأتي في  إطار محاولة الجماعة فرض سيطرتها المطلقة على البيضاء، بعد رفض السكان تنفيذ مطالبها بتسليم أشخاص وصفتهم الجماعة بـ”المطلوبين”. كما استخدمت الجماعة ذريعة مكافحة الإرهاب لتبرير عمليتها العسكرية، متهمةً السكان المحليين بإيواء عناصر متطرفة.

ورصد التقرير أن الحوثيين صعّدوا من استهداف المساجد والمدارس الدينية، حيث طالبوا بإغلاق مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم واستبدال خطباء المساجد بأئمة موالين للجماعة.

اورد التقرير تفاصيل أيام الحملة العسكرية التي بدأت يوم 5 يناير 2025، حيث فرضت جماعة الحوثي حصارًا مشددًا على المنطقة، ومنعت دخول المواد الغذائية والدوائية، وقطعت الاتصالات والإنترنت، مما جعل السكان في عزلة تامة.

وفي 9 يناير، قصفت الجماعة المنطقة بالطائرات المسيّرة والأسلحة الثقيلة، مما أدى إلى احتراق منزل بالكامل وتضرر عشرات المنازل الأخرى، إضافة إلى إحراق مسجد القرية. وأسفر القصف عن مقتل شخصين وإصابة 11 آخرين، بينهم ثلاث نساء.

وفي 10 يناير، أرسلت جماعة الحوثي تعزيزات عسكرية ضخمة، شملت دبابات وعربات مدرعة، كما قامت بإحكام السيطرة على مداخل المنطقة لمنع أي محاولة للهروب أو تلقي مساعدات من القرى المجاورة.

وفي 11 و12 يناير، نفذت الجماعة حملة اعتقالات واسعة طالت أكثر من 500 مدني، بينهم أطفال وكبار سن، وتم نقل المعتقلين إلى سجون في رداع وصنعاء وسط تقارير عن تعرضهم لسوء المعاملة والتعذيب.

وصف التقرير ما جرى في حنكة آل مسعود بأنه جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، حيث تم توثيق عدة انتهاكات رئيسية، منها:

               •             القتل العشوائي: أسفرت الحملة عن مقتل أكثر من 15 مدنيًا، بينهم نساء وأطفال، وإصابة العشرات بجروح بليغة.

               •             القصف العشوائي والتدمير الممنهج: تم تدمير 10 منازل بشكل كامل، إضافة إلى إحراق مسجد ومدرسة لتحفيظ القرآن.

               •             نهب الممتلكات: وثّق التقرير حالات نهب لممتلكات المدنيين، شملت أموالًا ومجوهرات ومقتنيات ثمينة تقدر بعشرات الملايين من الريالات اليمنية.

               •             الاعتقالات التعسفية: اعتُقل أكثر من 500 مدني، بينهم كبار سن وأطفال، ونُقل بعضهم إلى سجون مجهولة دون أي مسوغات قانونية.

               •             فرض الفكر المذهبي بالقوة: عملت الجماعة على إغلاق المدارس الدينية، وإجبار السكان على حضور دورات ثقافية طائفية، إضافة إلى استبدال خطباء المساجد بأفراد موالين لها.

وبين التقرير أن الحملة المسلحة  الحوثية تسببت في كارثة إنسانية وأضرار اقتصادية جسيمة، حيث فقد مئات السكان مصادر رزقهم بسبب تدمير مزارعهم وفرض حصار خانق عليهم. كما أجبر القصف والنزاع المسلح المئات من العائلات على النزوح القسري بحثًا عن الأمان، مما زاد من معاناة السكان في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة.

واشار التقرير إلى جهود الوساطات القبلية، بقيادة الشيخ حسين أحمد حسين جرعون، التي سعت الي التفاوض مع جماعة الحوثي لوقف الحملة العسكرية، حيث عرض الأهالي تسليم بعض المطلوبين لتجنب التصعيد، لكن الحوثيين رفضوا واستمروا في حملتهم العسكرية.

وفي وقت لاحق، توصلت لجنة الوساطة إلى اتفاق للإفراج عن المعتقلين وتعويض السكان المتضررين، لكن جماعة الحوثي لم تلتزم بتنفيذ الاتفاق، وما زالت تحتجز عشرات المعتقلين حتى اللحظة.

وساق  التقرير  ردود الأفعال المحلية والدولية علي الحملة المسلحة ، حيث أدانت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة بشدة الهجوم الحوثي على المدنيين، معتبرةً أن هذه الانتهاكات غير مقبولة وتستوجب محاسبة المسؤولين عنها.

كما طالبت منظمات حقوقية دولية، بينها العفو الدولية ومنظمة سام، بفتح تحقيق مستقل في الجرائم المرتكبة، مشددة على ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين.

في ختام تقريرها، دعت منظمة “سام” المجتمع الدولي إلى:

               •             رفع الحصار فورًا عن منطقة حنكة آل مسعود، وضمان وصول المساعدات الإنسانية.

               •             فتح تحقيق دولي شفاف في الجرائم المرتكبة، وإحالة المسؤولين عنها إلى المحكمة الجنائية الدولية.

               •             ممارسة ضغوط دبلوماسية على جماعة الحوثي لإجبارها على احترام القانون الدولي.

               •             دعم جهود توثيق الانتهاكات، وتكثيف حملات المناصرة لحماية المدنيين في اليمن.

ختامًا

يؤكد هذا التقرير أن ما جرى في حنكة آل مسعود يعد واحدة من أسوأ الجرائم التي شهدتها اليمن في السنوات الأخيرة، وسط صمت دولي مقلق. ومع استمرار المعاناة الإنسانية، يظل السؤال مطروحًا: إلى متى ستظل الانتهاكات ضد المدنيين بلا محاسبة؟