تعيش منطقة قيفة في مديرية رداع بمحافظة البيضاء مرحلة خطيرة من التصعيد العسكري مع استمرار ميليشيا الحوثي في شن هجماتها العنيفة على أبناء القبائل هناك.
هذا التصعيد ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لصراع طويل بين القبائل التي رفضت الخضوع للمشروع الحوثي الطائفي وبين جماعة مسلحة تسعى لفرض سيطرتها على الأرض والناس.
خلفية الصراع:
منذ سيطرة ميليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، تحركت الجماعة للتوسع في مختلف المحافظات اليمنية. لكن محافظة البيضاء، وتحديدًا مناطق قيفة، كانت من أبرز المناطق التي وقفت حجر عثرة أمام هذا التمدد. تشتهر قبائل قيفة بتاريخ طويل من المقاومة ورفض الخضوع، وهو ما جعلها هدفًا دائمًا للهجمات الحوثية.
تكتيكات الحوثيين في قيفة:
لم تكتفِ ميليشيا الحوثي بالمعارك التقليدية، بل لجأت إلى تكتيكات عسكرية شرسة وغير إنسانية لفرض سيطرتها، أبرزها:
• القصف العشوائي: استهدفت الميليشيا القرى والمناطق السكنية بالقذائف والصواريخ والطائرات المسيّرة، ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين وتدمير المنازل والبنية التحتية.
• الحصار الخانق: فرض الحوثيون حصارًا على بعض قرى قيفة، مما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية والدوائية، في محاولة لإجبار السكان على الخضوع.
• الزج بالمرتزقة: استعانت الجماعة بمقاتلين من خارج المحافظة وبعض القبائل الموالية لها لشن هجمات مركزة على معاقل القبائل الرافضة لهم.
• زرع الألغام: انتشرت الألغام الأرضية في الطرقات والمزارع، مما أدى إلى سقوط ضحايا بين المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وأعاق حركة السكان ونقل الإمدادات.
- تفجير المساجد: حيث عمدت المليشيات الحوثية على تفجير عدد من المساجد.
المقاومة القبلية: صمود لا ينكسر:
رغم كل هذه التكتيكات الوحشية، فإن أبناء قبائل قيفة أظهروا مقاومة أسطورية. فقد اتحدت قبائل عدة، مثل آل الذهب وآل الجوف وآل عواض، لمواجهة الحوثيين في معارك شرسة تكبّدت خلالها الجماعة خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
ووفقًا لمصادر ميدانية، قُتل قياديون بارزون في صفوف الحوثيين خلال المعارك الأخيرة، مما أجبر الجماعة على تغيير خططها العسكرية. كما شنّت القبائل هجمات مضادة استهدفت مواقع الحوثيين، وتمكنت من استعادة بعض المناطق التي سيطرت عليها الميليشيا مؤخرًا.
الأوضاع الإنسانية الكارثية:
مع استمرار الحرب، تتفاقم المعاناة الإنسانية في قيفة. فقد نزحت مئات الأسر من قراها إلى مناطق أكثر أمانًا، فيما بقي الكثيرون محاصرين وسط المعارك. يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والماء والأدوية، وسط غياب كامل للمنظمات الإنسانية نتيجة الوضع الأمني المتدهور.
تفاقمت الأوضاع بعد أن استهدفت ميليشيا الحوثي الآبار والمصادر الأساسية للمياه، في محاولة للضغط على السكان وإجبارهم على النزوح أو الاستسلام. الأطفال يعانون من سوء التغذية، بينما يواجه المرضى الموت بسبب انعدام الخدمات الطبية.
المجتمع الدولي وصمته المريب:
رغم توثيق الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها ميليشيا الحوثي في قيفة وغيرها من مناطق البيضاء، إلا أن المجتمع الدولي يلتزم الصمت، مكتفيًا ببيانات خجولة تدعو للتهدئة دون اتخاذ خطوات عملية لحماية المدنيين.
الحكومة اليمنية الشرعية بدورها طالبت مرارًا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإدانة هذه الجرائم والضغط على الحوثيين لوقف اعتداءاتهم، لكن دون جدوى. هذا الصمت شجّع الحوثيين على التمادي في عدوانهم، مما يعكس ضعفًا واضحًا في التعاطي مع الأزمة اليمنية.
إلى أين يتجه الصراع؟
المؤشرات الحالية تشير إلى أن الحرب في قيفة ستستمر، خاصة مع تعنت الحوثيين ورفضهم لأي حلول سلمية. ومع ذلك، فإن الصمود البطولي لأبناء قيفة يُعقّد من مهمة الحوثيين في السيطرة الكاملة على المنطقة.
المعارك قد تشهد تصعيدًا أكبر إذا ما قررت القبائل التوسع في عملياتها العسكرية، أو في حال تلقت دعمًا عسكريًا من قوات الحكومة الشرعية أو التحالف العربي. وفي المقابل، قد يلجأ الحوثيون إلى استخدام أسلحة أكثر فتكًا وزيادة حصارهم على المناطق الصامدة.
معركة وجود وليست معركة أرض:
الحرب في قيفة ليست مجرد معركة على الأرض، بل معركة هوية ووجود. أبناء قيفة يقاتلون دفاعًا عن أرضهم وعاداتهم وتاريخهم في مواجهة مشروع طائفي يسعى لتغيير ملامح اليمن. ورغم التحديات الجسيمة، فإن قبائل قيفة تواصل كتابة فصل جديد في تاريخ المقاومة اليمنية، مُصرّة على أن لا تكون جزءًا من مشروع الهيمنة الحوثية.
ويبقى السؤال مفتوحًا... إلى متى سيظل المجتمع الدولي متفرجًا على هذه الجرائم؟ وهل سيصمد أبناء قيفة أكثر في وجه آلة الحرب الحوثية؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.