أدت الحرب التي يشهدها اليمن منذ عام 2015، إلى تقسيم البلاد، وتقاسم النفوذ بين جماعات مسلحة، وغياب مؤسسات الدولة، ووضع اقتصادي متدهور، وجميعها أسباب جعلت ملايين اليمنيين يغادرون البلاد، ومن بينهم آلاف من النساء اللاتي تقدمن بطلبات لجوء في دول أوروبية.
طلبت الشابة اليمينة فاطمة علي اللجوء في فرنسا، وتقول لـ"العربي الجديد"، إن "رحلة اللجوء كانت متعبة نفسياً وجسدياً، فقد غادرت إلى جدة، ومنها إلى ماليزيا التي مكثت فيها خمس سنوات، حصلت خلالها على ماجستير في إدارة الموارد البشرية، ثم ضاقت الأرض بي فغادرت إلى فرنسا في 2023. تعرضت خلال طلب اللجوء للكثير من المضايقات، والتحرش الجنسي، والذي صدر عن بعض أبناء بلدي في إحدى مدن فرنسا، فبدلاً من أن يكونوا عوناً لي، كانوا ينظرون إلي نظرة دونية كوني غير متزوجة، وأتيت لطلب اللجوء بمفردي".
تتابع فاطمة: "أحد التحديات التي واجهتني كان صعوبة إيجاد سكن. في فرنسا لا يوجد نظام المخيمات، واضطررت إلى البحث بنفسي حتى وجدت سكناً مناسباً بعد شهرين ونصف الشهر، ومثل كل لاجئ عانيت في بعض الفترات الوحدة والعزلة الاجتماعية، ثم بدأت أحظى ببعض الصديقات، لكن بعدها انتقلت إلى السكن الحكومي في مدينة أخرى، ولم يكن فيها كثير من الجالية العربية، واضطررت لاحقاً للانتقال إلى مدينة ثالثة، وكل هذا متعب نفسياً، كما أن اللغة تمثل حاجزاً وعائقاً في التواصل".
آلاف الشابات اليمنيات قررن خوض مغامرة الهجرة إلى أوروبا
فاطمة واحدة من آلاف اليمنيات اللواتي قررن خوض مغامرة الهجرة إلى أوروبا للحصول على وطن بديل عبر حق اللجوء، وهن يخاطرن بحياتهن في مواجهة صعوبات عدة تعترض طريق الوصول عبر المهربين الذين يمارسون بحقهن التحرش والابتزاز وأشكالاً من الاعتداء.
رحلة طويلة من المعاناة عاشتها أيضاً الشابة اليمنية هند قطران، ورغم كل ما عانته خلال محاولتها الحصول على اللجوء، لكنها لم تحصل عليه. تعرف نفسها بأنها نسوية، وأنها وجدت أن العيش في بلدها يمثل خطراً على حياتها في ظل سيطرة الجماعات المسلحة، خاصة أنها لا تؤمن بالعديد من العادات والأعراف المجتمعية الراسخة، وغادرت عقب سيطرة جماعة أنصار الله "الحوثيين" على الحكم.
تقول قطران لـ"العربي الجديد": "توجهت أولاً إلى تركيا، حيث واجهت العديد من المشكلات في سبيل الحصول على حق اللجوء، فالقوانين التركية تشترط التقدم إلى إدارة الهجرة، وإذا وافقت على طلبك يتم رفع ملفك إلى مكتب الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ما شكل لي أزمة كوني من الأقلية غير الدينية، بينما غالبية العاملين في إدارة الهجرة التركية يتبعون توجهات دينية".
تضيف: "تخوفت من تقديم ملفي، وحاولت السفر إلى جزيرة في اليونان عبر أحد المهربين، وفشلت مرتين، وحين طالبته بنقودي، صرخ في وجهي واعتدى علي بالضرب، فقدمت بلاغاً إلى الشرطة للمطالبة بنقودي، فقال المترجم المحلف إن القانون يصنف ما حصل على أنه مشاجرة. بعد تركيا اتجهت إلى لبنان، وقدمت هناك طلب لجوء في مكتب الأمم المتحدة، لكن إجراءاتهم بطيئة. مكثت هناك سنتين ونصف السنة من دون أي فائدة، وتحدثت مع عدد من موظفي الأمم المتحدة لأقنعهم أن ملفي له أولوية كوني من الأقليات الدينية، لكن تمت عرقلتي، وأنا حالياً في مصر، وقدمت ملفي لمكتب الأمم المتحدة مجدداً، ولا شيء حتى الآن".
ومن التحديات التي تواجهها طالبات اللجوء في أوروبا صعوبة قبول ملفاتهن، خصوصاً بعد أن قامت عدد من الدول الأوروبية مؤخراً بتصنيف اليمن بلداً آمناً، ومن ثم صار من الصعب الحصول على اللجوء إلا في حالات خاصة.
زادت صعوبة اللجوء بعد تصنيف دول أوروبية اليمن بلداً آمناً
قدمت سارة محمد طلب لجوء في السويد، وتقول لـ"العربي الجديد": "قضيت رحلة طويلة إلى السويد بعد أن بعت كل ممتلكاتي في اليمن، وقد قررت اللجوء إلى أوروبا بعد أن تيقنت أن الوضع في بلادي لم يعد صالحاً للعيش، وواجهت العديد من الصعوبات في رحلتي، حيث تعرضت للابتزاز والتحرش، والكثير من المعاناة خلال الانتقال بين البلدان، حيث الهرب في الغابات من الشرطة، في ظل نقص الماء والطعام، وفي طقس بارد، حتى وصلت إلى السويد".
تضيف سارة: "قدمت ملفي الذي يتضمن الظروف التي دعتني إلى طلب اللجوء، لكني فوجئت برفضه بمبرر أن اليمن أصبح بلداً آمناً، والآن لا أعرف إلى أين أتوجه، خاصة أن العودة إلى اليمن أصبحت صعبة بعد أن خسرت كل شي".
وتأتي كل هذه الصعوبات التي تواجهها طالبات اللجوء اليمنيات في ظل غياب دعم السفارات والجاليات اليمنية في الدول الأوروبية، ما يساهم في انتهاك حقوقهن.
يقول أمين الجالية اليمنية في بلجيكا، عمر المنصوب، لـ"العربي الجديد": "معاناة اليمنيات في رحلة اللجوء إلى أوروبا موضوع يتطلب فهماً عميقاً للظروف التي يواجهنها، فخلال الرحلة الصعبة تواجه النساء تحديات عديدة، بما في ذلك التعرض للعنف والاستغلال، ونقص الرعاية الصحية، وظروف الحياة الصعبة في مراكز اللجوء، وتحديات مثل عدم توفر الدعم الكافي لهن، وصعوبات في التعامل مع الجهات الرسمية، وبطء إجراءات اللجوء، والتي تتطلب وثائق وإجراءات معقدة، وتأخذ وقتاً كبيراً قد يصل إلى سنتين من المواعيد والمقابلات، وأيضاً الصعوبات اللغوية والثقافية التي يمكن أن تكون عائقاً كبيراً".
ويشير المنصوب إلى أن "دور الجالية هو تقديم المساعدة المعلوماتية، وهي تسعى إلى نشر مواد توعوية عن المخاطر للحد من الوقوع ضحية الاستغلال أو العنف، وتقديم التسهيلات للتواصل مع الجهات الحكومية، والمساعدة في التكيف مع الثقافة واللغة الجديدتين، وتسهيل الاندماج في المجتمع بشكل أفضل".