أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ  

 

أبو فراس الحمداني

هو أبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني، ولد في 932م، وقُتل عام 986م في مدينة حمص، انحدر من عائلة حمدانيّة قويّة بسطت نفوذها على سوريا والعراق في العصر العباسي، نشأ أبو فراس يتيماً في رعاية ابن عمّه سيف الدولة.

كان شاعراً عذباً اتصف شعره بقوّة التراكيب والسلاسة، وروعة الفصاحة، والانسياب، حتى كاد شعره يصل إلى مستوى المعلّقات، كان فارساً مقداماً عندما تعرّضت إمارة ابن عمّه سيف الدولة الحمداني للهجمات من الروم، وقد وقع أسيراً عندهم لفترة زمنية.

ألّف معظم شعره خلال فترة السجن، وكانت معظم قصائده تُعبر عن معاناة الأسر، واشتهر بقصيدته التي ألّفها (أراك عصيّ الدمع شيمتُك الصبر أما للهـوى نهـيٌ عليـك ولا أمر)، شارك بالهجمات التي وقعت على إمارته ضد الروم، واشتهر ببسلاته وشجاعته وإقدامه في مواجهة الأعداء، فكان العلماء يحتارون بوصفه قائداً عسكرياً أم شاعراً بارعاً.

ديوان أبو فراس الحمداني انشغل الشاعر والقائد العسكري أبو فراس الحمداني في الحروب والحملات العسكريّة ضد الروم، فلم يتسنّ له الوقت لتجميع قصائده في كتاب، مما دفع أكثر من كاتب ومؤرخ لتجميع قصائد أبي فراس، فجمّع المؤرخ التاريخي خالويه جزءاً من قصائده، إلّا أنّ الكاتب الثعالبي اشتهر بديوان الروميّات الذي أنشأه لتجميع وحفظ قصائد أبي فراسي الحمداني .

قصائد من ديوان أبي فراس الحمداني اشتهر أبو فراس الحمداني بعدة قصائد شعريّة، امتازت بجزالة الألفاظ، ورقّة المشاعر، سوف نطرح لكم أهمّها:

 

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ

 

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ؟

بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ!

إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ

تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُوالفِكْرُ

معللتي بالوصلِ، والموتُ دونهُ إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ

حفظتُ وضيعتِ المودة َبيننا وأحسنَ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ، العذرُ

وما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ لأحرفها، من كفِّ كاتبها بشرُ

بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً هوايَ لها ذنبٌ، وبهجتها عذرُ

تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ، وإنّ لي لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَة ٍ، وَقرُ

بَدوتُ، وأهلي حاضرونَ، لأننّي أرى أنَّ داراً، لستِ من أهلها، قفرُ

وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ وإيّايَ، لولا حبكِ، الماءُ والخمرُ

فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُولمْ يكنْ فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ

وفيتُ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ

وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها فتأرنُ، أحياناً، كما يأرنُ المهرُ

تسائلني منْ أنتَ؟ وهي عليمة ٌ وَهَلْ بِفَتى ًمِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ

فقلتُ، كما شاءتْ، وشاءَ لها الهوى قَتِيلُكِ! قالَتْ أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ

فقلتُ لها لو شئتِ لمْ تتعنتي وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ

فقالتْ لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا فقلتُ معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ

وَما كانَ للأحزَانِ، لَوْلاكِ، مَسلَكٌ إلى القلبِ، لكنَّ الهوى للبلى جسرُ

وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ

فأيقنتُ أنْ لا عزَّ، بعدي لعاشقٍ وَأنّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ

وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ

فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ

كَأني أُنَادي دُونَ مَيْثَاءَ ظَبْيَة على شرفٍ ظمياءَ جللها الذعرُ

تجفَّلُ حيناً، ثم تدنو كأنما تنادي طلاّ بالوادِ، أعجزهُ الحضرُ

فلا تنكريني، يابنة َالعمِّ إنّه ليَعرِفُ مَن أنكَرْتِهِ البَدْوُ وَالحَضْرُ

ولا تنكريني، إنني غيرُ منكرٍ إذا زلتِ الأقدامِ، واستنزلَ النضرُ

وإني لجرارٌ لكلِّ كتيبةٍ معودة ٍ أنْ لا يخلَّ بها النصرُ

وإني لنزالٌ بكلِّ مخوفةٍ كثيرٌ إلى نزالها النظرُ الشزرُ

فَأَظمأُ حتى تَرْتَوي البِيضُ وَالقَنَا وَأسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذّئبُ وَالنّسرُ

وَلا أُصْبِحُ الحَيَّ الخَلُوفَ بِغَارَة ٍ وَلا الجَيشَ مَا لمْ تأتِه قَبليَ النُّذْرُ

وَيا رُبّ دَارٍ، لمْ تَخَفْني، مَنِيعَة ٍ طلعتُ عليها بالردى، أنا والفجرُ

وحيّ رددتُ الخيلَ حتى ملكتهُ هزيماً وردتني البراقعُ والخمرُ

وَسَاحِبَة الأذْيالِ نَحوي، لَقِيتُهَا فلمْ يلقها جهمُ اللقاءِ، ولا وعرُ

وَهَبْتُ لهَا مَا حَازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ ورحتُ، ولمْ يكشفْ لأثوابها سترُ

ولا راحَ يطغيني بأثوابهِ الغنى ولا باتَ يثنيني عن الكرمِ الفقر

وما حاجتي بالمالِ أبغي وفورهُ ؟ إذا لم أفِرْ عِرْضِي فَلا وَفَرَ الوَفْرُ

أسرتُ وما صحبي بعزلٍ، لدى الوغى ولا فرسي مهرٌ، ولا ربهُ غمرُ

ولكنْ إذا حمَّ القضاءُ على أمرىءٍ فليسَ لهُ برٌّ يقيهِ، ولا بحرُ

وقالَ أصيحابي الفرارُ أو الردى؟ فقُلتُ هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ

وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني وَحَسبُكَ من أمرَينِ خَيرُهما الأسْرُ

يقولونَ لي بعتَ السلامةَ بالردى فَقُلْتُ أمَا وَالله مَا نَالَني خُسْرُ

وهلْ يتجافى عني الموتُ ساعة ً إذَا مَا تَجَافَى عَنيَ الأسْرُ وَالضّرّ؟

هُوَ المَوْتُ، فاختَرْ ما عَلا لك ذِكْرُه فلمْ يمتِ الإنسانُ ما حييَ الذكرُ

ولا خيرَ في دفعِ الردى بمذلة ٍ كما ردّها، يوماً بسوءتهِ عمرو

يمنونَ أنْ خلوا ثيابي ، وإنّما عليَّ ثيابٌ، من دمائهمُ حمرُ

وقائم سيفي، فيهمُ، اندقَّ نصلهُ وَأعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطّمَ الصّدرُ

سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ وفي الليلة ِالظلماءِ، يفتقدُ البدرُ

فإنْ عِشْتُ فَالطّعْنُ الذي يَعْرِفُونَه وتلكَ القنا، والبيضُ والضمرُ الشقرُ

وَإنْ مُتّ فالإنْسَانُ لا بُدّ مَيّتٌ وَإنْ طَالَتِ الأيّامُ، وَانْفَسَحَ العمرُ

ولوْ سدَّ غيري، ما سددتُ، اكتفوا بهِ وما كانَ يغلو التبرُ، لو نفقَ الصفرُ

وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ

تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا ومنْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ

أعزُّ بني الدنيا، وأعلى ذوي العلا وَأكرَمُ مَن فَوقَ الترَابِ وَلا فَخْرُ.