مع سيطرة مشاعر الخوف من انتقال عدوى فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" زادت المعدلات الشرائية للمنظفات والمعقمات، الأمر الذي بدا إلزاميا لدى ربات البيوت في الفترة الأولى من الجائحة، إلا أن أحدث الدراسات المخبرية اليوم تؤكد عدم جدوى تعقيم الأسطح، خاصة إذا ما قورنت بالتهوية السليمة والالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي الصحيحة.
ونشرت مجلتا لانست ونيتشر العلميتان العريقتان دراسات تفيد بأن المبالغة في تعقيم الأسطح والمشتريات ومواد البقالة التي نصح بها الباحثون مع بداية الجائحة عديمة الجدوى، وذلك استنادا إلى أن وجود بقايا الفيروس على الأسطح ضعيف، لأن ما يظهر إيجابيا من خلال تلوث تلك الأسطح هو جثة الفيروس غير القادرة على نقل العدوى مقارنة بانتقالها عبر الرذاذ.
ورغم جدلية هذا الرأي -حيث أضاف علماء أن ذلك لا ينفي قدرة الأسطح على نقل العدوى على الإطلاق- فإن ذلك الرأي ما زال يؤكد أن التباعد الاجتماعي وأقنعة الوجه (مثل الكمامة) وغسيل الأيدي والتهوية الجيدة هي الوسائل الرئيسية للحماية من الفيروس، وأن طريقة العدوى الأساسية هي انتقال قطرات الرذاذ بأحجامها من المصاب إلى الآخرين، ولذلك لا داعي لحالة الهوس بتنظيف الأسطح المنزلية بصورة مستمرة كما كان يحدث خلال العام الماضي.
مراجعة أولويات الحماية من العدوى
قرر عالم ميكروبات في كلية روتجرز نيوجيرسي الطبية إلقاء نظرة فاحصة حول إمكانية انتقال العدوى عبر الأسطح الملوثة كما ذكرت في بداية الجائحة توجيهات الحماية في المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض، حيث تراجع مركز الأمراض والأوبئة الأميركية "سي دي سي" (CDC) عن ذلك بتوصيات جديدة تؤكد أن العدوى من خلال الأسطح والمواد لا تقارن بالعدوى من خلال الهواء والتواصل المباشر.
جاء ذلك بعد أن تراكمت الأدلة حول الفهم العلمي للفيروس، حيث أشارت البيانات إلى أن معظم حالات انتقال العدوى تحدث من انتقال الرذاذ من الأشخاص المصابين أثناء السعال أو التحدث أو حتى التنفس واستنشاقه من قبل الآخرين.
ولم ترصد حالات يرجع تتبع سبب انتقال العدوى لها من الأسطح، ورغم أن الأمر نظريا محتمل وممكن فإن العلماء ما زالوا يؤكدون أن الأفضل من تعقيم الأسطح والمشتريات هو تحسين التهوية، وتظل خطورة انتقال العدوى من الأسطح منخفضة.
مدة بقاء الفيروس على الأسطح
بدأ الباحثون في اختبار ما إذا كانت عينات الفيروس المتبقية لأيام على أسطح مختلفة يمكن أن تصيب الخلايا المزروعة في المختبر، ووجدت الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر أن الفيروس ظل إيجابيا على الأسطح الصلبة مثل البلاستيك والفولاذ المقاوم للصدأ لمدة 6 أيام، فيما استمر لمدة على 3 أيام الأوراق النقدية.
كما أن الفيروس يظل على الجلد لمدة تصل إلى 4 أيام، ولكن يستمر وجوده على الملابس لمدة تقل عن 8 ساعات، وعلق أحد الخبراء على ذلك بأن تلك الأجهزة تكشف عن الحمض النووي الريبي الفيروسي، وهو ما يعادل جثة الفيروس وهو ليس معديا، إذ إن وجود الفيروس إيجابي بالفعل لكن لا علاقة لها بقدرته على العدوى.
نصائح لربات البيوت
ولطمأنة ربات البيوت فقد نصح الخبراء باستخدام الصابون ومسحوق الغسيل وحدهما في الأماكن المغلقة، أما التطهير باستخدام المعقمات والمطهرات فهو ليس ضروريا إلا في حالة وجود شخص مصاب بالفعل في المنزل خلال الـ24 ساعة الماضية، لذلك لا يعتبر التنظيف العادي مضيعة للوقت بقدر ما يعتقد أنه ليس بذات الأهمية مثل التهوية، ويعد ضروريا فقط حال ثبوت وجود شخص مصاب في المنزل، وفي ذلك الوقت يجب التركيز على أهم النقاط التي يلمسها المصاب كالمقابض والمرحاض.
المبالغة في عروض التنظيف قد تكون خطرة
صرح فينسنت هيل رئيس مركز الوقاية في فرع "واتربرون" (Waterborne) من خلال فيديو لمركز الوقاية من الأمراض بأن المبالغة في عروض التعقيم والتطهير -خاصة في الأماكن العامة- تعطي شعورا زائفا بالأمان والحماية، وبالتالي فإن هذا الشعور يدفع للتساهل في استخدام الأقنعة ولمس الوجه والفم والأنف، وقد يقلل معدلات غسل اليد وتعقيم اليدين بسبب الأريحية التي خلفتها مشاهد التطهير المستمرة، وهذا الشعور الزائف غير مطلوب، لأن الأولوية هي حماية الوجه من الرذاذ، وبالتالي فالقناع والتباعد الاجتماعي وغسيل اليدين المستمر هو الأهم.
والعام الماضي أمضى الملايين أوقاتا وأموالا بسبب مسح الأسطح والمشتريات، وقامت العديد من الشركات والمنازل والأشخاص بصرف أموال طائلة على مواد التعقيم والتطهير من أجل الحد من انتشار الفيروس ليكتشف العالم مؤخرا أن ذلك يأتي في آخر الأولويات وليس الطريق الرئيسي للحماية من عدوى كورونا، لذلك يبقى التباعد الاجتماعي والأقنعة وغسل الأيدي هو الأولوية والسبيل للتخلص من تفشي العدوى.