نشر معهد «بروكنجز» الأمريكي للدراسات مقالًا لجريجوري جونسون، وهو زميل غير مقيم في برنامج السياسة الخارجية ومركز سياسات الشرق التابعين للمعهد الأمريكي، تناول فيه الحديث عن تطورات الأوضاع في اليمن التي يرى الكاتب أنها تعاني من انقسامات فاقَت الانقسامات التي شهدتها البلاد قبل عام 1990، مشيرًا إلى أن هذه الانقسامات تطرح تحديات على الولايات المتحدة التي لا تعترف بجميع المجموعات المُسلَّحة النشطة في اليمن.
يستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى إعلان السعودية، منذ ست سنوات، بدء عملية عاصفة الحزم من العاصمة الأمريكية واشنطن.
وأوضحت الرياض أن الغارات الجوية الأولى كانت تستهدف طرد المتمردين الحوثيين من العاصمة اليمنية صنعاء وإعادة الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي إلى السلطة. غير أنَّ الحرب، التي أبلغت السعودية مسؤولي إدارة أوباما أنها ستستغرق «ستة أسابيع»، لم تمضِ وفقًا لما خُطِّط لها. ولم تُحقق السعودية أي هدف من أهدافها العسكرية في اليمن.
ولم يزل الرئيس هادي في المنفى، وأصبحت حكومته ضعيفة وتشهد حالة من الفوضى، كما أصبح الحوثيون الآن أقوى مما كانوا عليه عند بدء القتال.
وفي الواقع بعد مرور ست سنوات من الحرب، وتفجير آلاف الصواريخ والقنابل، وسقوط مئات الآلاف من القتلى، ومواجهة أسوأ أزمة إنسانية في العالم، شهدت اليمن انقسامًا لدرجة أنه من غير المُرجَّح أن يُعاد لَمُّ شملِها بوصفها دولة واحدة.
بل إن البلاد لن تعود منقسمة بين شمال وجنوب كما كانت الأوضاع قبل عام 1990. وبدلًا عن وجود دولتين أو ثلاث، يوجد الآن كثيرًا من الانقسامات اليمينية والدويلات الصغيرة والمناطق التي تخضع لسيطرة عددٍ متزايدٍ من المجموعات المسلَّحة، التي تتبنى جميعها أهدافًا وتوجُّهات مختلفة.
الدول اليمنية السبعة ويرى الكاتب أن الحوثيين يفرضون سيطرتهم على منطقة المرتفعات الشمالية، حيث كان يعيش كثير من سكان اليمن قبل اندلاع الحرب.
وفي عام 2015، ادعت السعودية أنها اضطرت إلى أن تتدخل عسكريًّا حتى تمنع الحوثيين من أن يصيروا مجموعة تشبه حزب الله، وهم الذين تدعمهم إيران وتُسلِّحهم، على حدودها الجنوبية. ولكن لم تسفر الحرب سوى عن تقارب الحوثيين مع إيران؛ إذ تُهرِّب إيران الأجزاء التي تتكون منها الصواريخ إلى الحوثيين وتزوِّدهم بالمدربين وتقدِّم لهم دعمًا اقتصاديًّا.
وفي عام 2019، عيَّن الحوثيون سفيرًا لهم لدى إيران، وردَّت إيران في العام التالي بالمثل، ونصَّبت حسن إيرلو، عضو قوات الحرس الثوري الإيراني، سفيرًا لها في صنعاء.
وعندما تدخَّلت السعودية عام 2015، حكم الحوثيون منطقة المرتفعات بالشراكة مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. وأصبح الفريقان عدوَّيْن: إذ خاض الحوثيون والقوات التابعة لعلي عبد الله صالح ستة حروب ضد بعضهما البعض في المدة بين عامي 2004 و2010. ومع أنهما كانا لا يثقان ببعضهما البعض، إلا أنَّهما اتخذا موقفًا مشتركًا ضد قوات عبد ربه منصور هادي والسعوديين.
ومع مرور الوقت، وبفضل نظام عقوبات الأمم المتحدة غير المُحكَم، الذي أضعف تحالف صالح بصورة غير متناسبة، تمكَّن الحوثيون من التغلب على منافسهم المحلي، وقتلوا صالح في نهاية المطاف في ديسمبر (كانون الأول) 2017.
ومنذ ذلك الحين، شرع الحوثيون في برنامج طموح لإعادة هيكلة الحكم في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، والذي يهدف إلى أن تصبح الإطاحة بهم وإعادة توحيد اليمن أمرًا مستحيلًا.
ويمضي الكاتب قائلًا: وعلى طول ساحل البحر الأحمر، يقود طارق صالح، ابن شقيق علي عبد الله صالح، مجموعة من المقاتلين المدعومين من السعودية والإمارات، والمتمركزِين ضد الخطوط الأمامية للحوثيين في مدينة الحُدَيْدَة.
ويدور الصراع إلى حد كبير بين أعضاء التحالف المناهض للحوثيين في داخل البلاد في مدينة تعز. ويسيطر الحوثيون على الجزء الشمالي من المحافظة، ولكن انتصر حزب الإصلاح، وهو حزب سياسي تربطه علاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، في المعركة داخل التحالف المناهض للحوثيين؛ ما أسفر عن هزيمة مقاتلين منافسين من اللواء 35 مُدرَّع ومجموعة أبو العباس في السيطرة على مدينة تعز وجزء كبير من الريف في جنوب المدينة.
ويسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي ذو التوجُّهات الانفصالية على مدينة عدن الساحلية الجنوبية بعد أن طرد قوات عبد ربه منصور هادي في أغسطس (آب) 2019.
ويحظى المجلس الانتقالي الجنوبي والوحدات العسكرية التابعة له بدعمٍ من الإمارات، التي تعارض حزب الإصلاح بسبب علاقات الأخير بجماعة الإخوان المسلمين.
ويردف الكاتب قائلًا: وفي شمال عدن تنشط مجموعة أخرى مدعومة من الإمارات، وهي كتائب العمالقة التي يقودها سلفيون، في مدينة لحج. ويفضِّل كثير من هؤلاء المقاتلين الانفصال أيضًا، ولكنهم لا يفضِّلون الانفصال الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي.
ويتولى حزب الإصلاح مقاليد الحكم في مدينة مأرب، موقع هجوم الحوثيين الحالي. وتنقسم مدينة حضرموت بين قوات النخبة الحضرمية المدعومة من الإمارات، والتي تسيطر على الساحل، والوحدات التابعة لحزب الإصلاح في الداخل.
وفي مدينة المهرة، التي تقع على الحدود الشرقية لليمن، تلعب السعودية وسلطنة عمان لعبة ليست سرية مطلقًا من أجل فَرْضِ نفوذهما على القبائل المحلية.
وعزَّزت السعودية وجودها العسكري على الحدود العمانية، وأنشأت ما لا يقل عن عشرين قاعدة عسكرية على مدار السنوات الثلاث الماضية، وجنَّدت سكَّان محليين للانضمام إلى مجموعات شبه عسكرية.
وأصبحت عمان، التي تنظر إلى مدينة المهرة على أساس أنها تقع في نطاق نفوذها، قلقة بصورة متزايدة إزاء الوجود العسكري السعودي على حدودها وتعمل على تقويضه.
ويسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على جزيرة سقطرى، وتسيطر وحدات هادي على «مثلث القوة» اليمني، أي حقول النفط والغاز في محافظات مأرب وشبوة وحضرموت.
اليمن لن يلملم شتاته مجددًا ويرى الكاتب أنه لا تتمتع أي مجموعة من هذه المجموعات المسلحة المختلفة، سواء قوات هادي أو الحوثيين أو المجلس الانتقالي الجنوبي، بالقوة الكافية لفرض إرادتها على باقي البلاد.
ومع ذلك، تمتلك كل هذه المجموعات تقريبًا ما يكفي من الجنود والذخيرة حتى تُفسِد أي اتفاق سلام وطني تشعر أنَّه لا يلبِّي مصالحها بصورة كافية.
ولعلَّ الأمر الذي لم يزل يُشكِّل مزيدًا من القلق هو حقيقة أنه كلما استمر القتال، زادت احتمالية ظهور مجموعات مسلحة.
ولم يكن المجلس الانتقالي الجنوبي قائمًا في عام 2015، ولكنَّه يسيطر اليوم على عدن، عاصمة هادي المؤقتة.
أضِف إلى ذلك حقيقة أن اليمن تتمتع بجحم اقتصادي آخذ في الانكماش، إذ تقتصر الصادرات إلى حد كبير على حقول النفط والغاز في محافظات مأرب وشبوة وحضرموت، فضلًا عن توافر المقومات والأسباب لسنوات من الصراعات القادمة.
وسوف يتنافس عدد كبير من المجموعات على موارد قليلة للغاية في المستقبل. ويتضح هذا بالفعل في مدينة مأرب.
ويدرك الحوثيون أنهم سيحتاجون إلى إيرادات التصدير حتى يتمكنوا من البقاء بوصفهم دولة مستقلة في منطقة المرتفعات.
وتعد هذه العملية الحسابية سببًا رئيسًا للهجوم الأخير الذي شنَّه الحوثيين، والذي استهدف محافظة مأرب وحقول النفط المحيطة بها على حدٍ سواء.
ويستدرك الكاتب قائلًا: لكن لا يبدو أن أيًّا من جهود السلام المختلفة، سواء جهود المبعوثين الخاصين للأمم المتحدة أو الولايات المتحدة أو العرض الأخير الذي قدَّمته السعودية لوقف إطلاق النار، يعِي هذا الأمر.
ولا يريد الحوثيون أن يكونوا جزءًا من دولة، بل يريدون أن يكونوا الدولة ذاتها؛ ذلك أنهم لا يعتزمون التخلِّي على طاولة المفاوضات عمَّا يعتقدون أنهم ربحوه في ساحة المعركة.
وحتى إذا كان الحوثيون والمجلس الانتقالي الجنوبي يستعدَّان للتفاوض على أن يكونا جزءًا من دولة يمنية مُعاد هيكلتها، فليس هناك ما يضمن، في هذا الوقت المتأخر، أن الدولة يمكن أن تلملم شتاتها بالفعل.
وبفضل القرار القصير النظر الذي اتَّخذه عبد ربه منصور هادي الذي يقضي بتقسيم البنك المركزي اليمني في عام 2016، أصبح هناك اقتصادان منفصلان في البلاد.
ويُتداول الريال اليمني بسعرٍ في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون وبسعرٍ آخر في عدن التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي. ويُحظَر التداول بأوراق الريال المطبوعة حديثًا، التي أصدرتها حكومة عبد ربه هادي، في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
ويحذِّر الكاتب من أن تفكُّك اليمن يطرح عددًا من التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة؛ إذ لن تعترف واشنطن بجميع أمراء الحرب والمجموعات المسلحة المختلفة التي تسيطر على الأرض في اليمن.
ولكن سيتعين على الولايات المتحدة أن تتعامل مع كثيرٍ من هذه الأمور لأسباب متنوعة، بداية من مكافحة الإرهاب مرورًا بالمخاوف الإنسانية ومخاوف اللاجئين ووصولًا إلى الطرق المِلاحية في البحر الأحمر.
ويُمثِّل نظام الدولة القومية لبِنة البناء الأساسية للدبلوماسية والعلاقات الدولية والأمن القومي. والولايات المتحدة، مثل معظم البلدان، على استعداد للتعامل مع غيرها من الدول القومية.
وتفضِّل المؤسسة العسكرية الأمريكية أن تعمل «عن طريق شركاء محليين ومعهم ومن خلالهم».
لكن ماذا يحدث عندما لا يكون هناك شريك على الجانب الآخر، وعندما تصبح الفجوة كبيرة للغاية بين ما تدَّعيه الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا وما تسيطر عليه فعليًّا؛ حتى أن رواية الدولة الواحدة تنهار بالفعل؟
وفي ختام مقاله يؤكد الكاتب على أن الإجابة ليست واضحة، ولكن يتعين على الولايات المتحدة أن تجد حلًا لهذا السؤال على نحو متزايد في بلدان مثل اليمن وسوريا، وربما حتى ليبيا.