يمثل إعلان وزراء ومسؤولين في الحكومة اليمنية المعترف بها تأييدهم المطلق لمطالب الانفصال التي يرفعها المجلس الانتقالي الجنوبي، أزمة وجودية لمجلس القيادة الرئاسي ورئيسه الدكتور رشاد العليمي.
هذه الأزمة تتجاوز حدود الخلاف الإداري أو القانوني لتلامس صميم التوازنات الهشة التي قام عليها المجلس بموجب اتفاق الرياض. إن المطالبة باتخاذ “إجراءات صارمة ورادعة” ضد هؤلاء المسؤولين تصطدم بثلاثة معطيات سياسية معقدة: انتماء المسؤولين للمجلس الانتقالي الجنوبي، وجود رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي كعضو في مجلس القيادة الرئاسي، والدعم الإقليمي الحاسم من دولة الإمارات العربية المتحدة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
نحن هنا نحلل الإجراءات المفترضة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي في ظل هذه المعطيات، ويقيم مدى جدواها السياسية والقانونية.
أولاً: فخ الشراكة القسرية (مجلس القيادة الرئاسي) تم تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022 كآلية لتوحيد الصف المناهض للحوثيين، وضم في عضويته شخصيات من مختلف الأطراف، أبرزها عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بصفته نائباً للرئيس .
إن الوزراء والمسؤولين الذين أعلنوا تأييدهم للانفصال (مثل د. عبدالناصر الوالي، ود. محمد سعيد الزعوري، وسالم السقطري) هم جزء من الكتلة الوزارية المخصصة للمجلس الانتقالي الجنوبي ضمن الحكومة، وفقاً لترتيبات اتفاق الرياض. هذا الارتباط يضع رئيس مجلس القيادة الرئاسي أمام معضلة:
إن اتخاذ الإجراءات “الصارمة” (الإقالة والمحاكمة) يعني عملياً تفكيك مجلس القيادة الرئاسي وإعادة البلاد إلى مربع الصراع الداخلي بين مكونات الشرعية، وهو ما يخدم الحوثيين بالدرجة الأولى.
ثانياً: سابقة التمرد وغياب الرد الرئاسي يشير المستخدم إلى أن عيدروس الزبيدي قاد عملية تمرد في محافظات مثل حضرموت والمهرة، ولم يصدر أي رد فعل حاسم من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي حتى الآن. هذا الغياب في الرد ليس مجرد تقاعس، بل هو مؤشر على حدود صلاحيات العليمي وطبيعة التوازنات القائمة.
إن عدم اتخاذ إجراءات حاسمة في السابق قد خلق سقفاً منخفضاً للمساءلة، مما شجع على تكرار مثل هذه التصريحات والتحركات. هذا التراخي يرجع بشكل كبير إلى:
1. التوازن داخل المجلس: قرارات المجلس تتخذ بالإجماع أو بأغلبية معقدة، ووجود الزبيدي كعضو فاعل يمنح المجلس الانتقالي حق النقض الفعلي على أي قرار يمسه. 2. الضغوط الإقليمية: أي تحرك ضد المجلس الانتقالي الجنوبي يهدد بإغضاب الداعم الإقليمي الرئيسي له، مما يقودنا إلى المعطى الثالث.
ثالثاً: قيد الدعم الإماراتي (العامل الجيوستراتيجي) إن دعم دولة الإمارات العربية المتحدة للمجلس الانتقالي الجنوبي يمثل القيد الأكبر على قدرة رشاد العليمي على اتخاذ أي إجراءات رادعة، والإمارات هي شريك رئيسي في التحالف العربي وداعم اقتصادي وعسكري للحكومة اليمنية المعترف بها.
في ظل اعتماد الحكومة اليمنية على الدعم الإقليمي (السعودي والإماراتي) للبقاء، فإن رئيس مجلس القيادة الرئاسي لا يملك ترف اتخاذ قرار يهدد بقطع هذا الدعم أو إثارة خلاف عميق مع أحد أركان التحالف.
رابعاً: الإجراءات الممكنة (بين الصرامة والواقعية) في ضوء هذه القيود، فإن الإجراءات “الصارمة والرادعة” التي يمكن لرشاد العليمي اتخاذها تتحول من إجراءات قانونية إلى مناورات سياسية تهدف إلى احتواء الأزمة دون تفجيرها:
1. الإدانة السياسية المحكومة: إصدار بيان رئاسي أو حكومي يدين التصريحات دون تسمية الوزراء، والتأكيد على التمسك بالوحدة كهدف أساسي للشرعية، وهذا الإجراء يحفظ ماء وجه الرئاسة دون إشعال فتيل الأزمة.
2. الضغط عبر الوسيط (السعودية): تفعيل دور المملكة العربية السعودية، بصفتها راعية اتفاق الرياض، للضغط على عيدروس الزبيدي والمجلس الانتقالي الجنوبي لـ إلزام وزرائهم بالصمت أو إصدار نفي رسمي يوضح أن التصريحات لا تمثل الموقف الرسمي للمجلس الانتقالي الجنوبي كشريك في الحكومة.
3. التجميد الإداري المؤقت: يمكن لرئيس الوزراء (بموافقة العليمي) تجميد صلاحيات الوزراء المعنيين أو إبعادهم عن الاجتماعات، كعقوبة إدارية غير معلنة، دون اللجوء إلى الإقالة الرسمية التي تتطلب قراراً رئاسياً وتفجر الأزمة. 4. إعادة التفاوض على الشراكة: استخدام هذه الأزمة كورقة ضغط في مفاوضات إعادة هيكلة الحكومة أو تفعيل الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض، بهدف تقليص نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي في مؤسسات الدولة.
إن الإجراءات الصارمة والرادعة المطلوبة قانونياً (الإقالة والمحاكمة) هي إجراءات مستحيلة سياسياً على رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في الوقت الراهن. إن أي محاولة لتطبيق القانون بشكل كامل ستؤدي إلى تفكيك الشرعية وإشعال حرب أهلية جديدة بين مكوناتها، في ظل غياب سلطة مركزية موحدة ودعم إقليمي منقسم.
لذلك، فإن الإجراء المفترض هو الاحتواء السياسي عبر الوساطة السعودية، والمناورة الإدارية لتجنب الانهيار، مع الإدراك بأن هذا الرد الضعيف يؤكد أن وحدة اليمن أصبحت رهينة للتوازنات الإقليمية الداخلية، وأن رئيس مجلس القيادة الرئاسي يواجه معضلة وجودية لا يمكن حلها إلا بتغيير جذري في هيكلية السلطة أو بقرار إقليمي حاسم.
