اليمن.. سوء التغذية يهدّد حياة الأطفال وسط أزمة إنسانية متفاقمة

تقارير

في ظلّ النزاع المستمر منذ أكثر من عشرة أعوام، يعاني أطفال اليمن من تفاقم أزمة سوء التغذية، التي تمثّل واحدة من أكبر التحديات الصحية والإنسانية في البلاد، مع نقص التمويل والرعاية الطبية اللازمة، وتراجع المساعدات الإنسانية الدولية.

منذ سنوات طويلة، تتوالى الصور المؤلمة لأطفال يعانون من هزال أجسادهم بسبب سوء التغذية، سواء في المستشفيات أو المراكز الصحية المتخصّصة في علاج هذه الحالات.

وفي المستشفى اليمني السويدي للأمومة والطفولة بمحافظة تعز، المعروف محليًا باسم "النقطة الرابعة"، تمتلئ الأقسام بأطفال تحوّلوا إلى هياكل عظمية، وسط تزايد انتشار سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة في اليمن، نتيجة الأزمة الغذائية المتفاقمة.

في إحدى غرف المستشفى، تحتضن أم طفلها قصي البالغ أربعة أعوام، الذي تبدو ملامحه وكأنه لم يتجاوز العام الأول من عمره. تقول والدته لـ"العربي الجديد": "طفلي يعاني سوء التغذية، جسده هزيل لا يقوى على الحركة، وعيناه غائرتان وبشرته شاحبة.

لا يستطيع النطق بشكل طبيعي، ويواصل خسارة وزنه بصورة مستمرة". وتضيف: "نحن عائلة فقيرة، ولا نملك قوت يومنا، وحتى أثناء الرضاعة لم أجد ما يكفيني من الطعام، وهذا أثر على صحة طفلي. كل ما أتمناه أن يعود طفلي كما الأطفال الآخرين، يركض ويلعب بصحة جيدة".

قصي ليس حالة فريدة، بل أحد آلاف الأطفال في اليمن الذين يعانون سوء التغذية الحاد، وما لم يتلقّوا العلاج العاجل، يهدّد الموت حياتهم.

يؤكد رئيس قسم الاستشفاء في المستشفى عادل الرصاص أن "عدد الحالات التي تصل شهريًا إلى القسم يتراوح بين 30 و40 حالة، بينما تتلقى من 20 إلى 30 حالة العلاج في المنزل". ويشير إلى أنّ "تزايد سوء التغذية ناتج عن نقص التغذية الكافية للأطفال وغياب المغذيات الأساسية بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وسط الأزمة الإنسانية المستمرة منذ سنوات".

وأضاف الرصاص أنّ الحالات تتركز أساسًا في المديريات الساحلية مثل المخا، الوازعية، موزع وذوباب، بالإضافة إلى جبل حبشي والمعافر، مع العلم أنّ المستشفى يستقبل حالات من مختلف المديريات بسبب تخصصه في شؤون الطفولة والأمومة.

وأوضح أنّ "كل حالة تخضع للتشخيص والمتابعة الطبية، ويُزوّد الأطفال المصابون بحليب خاص لعلاج سوء التغذية، بمساندة وزارة الصحة والمنظمات الدولية".

في محافظة الحديدة، يعاني الطفل مجد الذي لم يكمل عامه الأول من سوء تغذية حاد، في مديرية بيت الفقيه، إحدى أفقر المناطق، ويقول والده لـ"العربي الجديد": "ظروفنا المعيشية صعبة، نتناول وجبة واحدة أو وجبتين يوميًا، ومعظمها من الخبز والفاصولياء.

عند ولادة مجد كان وزنه منخفضا، ومع مرور الوقت تدهورت حالته، إلى أن ساعده فاعل خير وأتاح له الوصول إلى مركز طبي لتلقي العلاج، وحالته بدأت تتحسّن".

وتتزايد حالات سوء التغذية في اليمن نتيجة ضعف القطاع الصحي، ونقص المستشفيات والمراكز المتخصصة والأدوية، إضافة إلى نقص التمويل الدولي الذي لا يغطي احتياجات الأطفال.

ويشير طبيب في أحد مستشفيات ذمار، طالبًا عدم الكشف عن هويته، إلى أنّ "سلطة الأمر الواقع تتحمّل مسؤولية انتشار سوء التغذية بعد منع اللقاحات وقطع رواتب الموظفين، ما أدى إلى أزمة غذائية حادة وارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي".

وتشير تقديرات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية إلى أنّ نحو نصف أطفال اليمن دون الخامسة يعانون من سوء التغذية، بينهم 600 ألف حالة حادة، بينما تلقى 69% فقط اللقاحات الأساسية، و20% لم يحصلوا على أي لقاح، كما يطال سوء التغذية 1.4 مليون امرأة حامل ومرضعة، ما يعرّض الأمهات والمواليد الجدد لمخاطر جسيمة.

ويؤكد تقرير حديث ليونيسف أنّ عدد الأطفال دون الخامسة الذين يعانون سوء التغذية الحاد ارتفع بنسبة 34% مقارنة بالعام السابق في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. وتعمل منظمة الصحة العالمية على تقديم الرعاية لأكثر من 31 ألف طفل في 96 مركزًا، مع تدريب 1,546 من العاملين في مجال الرعاية الصحية لضمان حصول المزيد من الأطفال على العلاج اللازم.

وفي هذا السياق، حذّرت الحكومة اليمنية من أنّ انخفاض التمويل والمساعدات الغذائية قد يؤدي إلى تفاقم أزمة سوء التغذية، مشددة على ضرورة تكاتف الجهود الوطنية والدولية، وتعزيز الشراكات بين المنظمات الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لمواجهة هذه الأزمة الإنسانية الخطيرة.