منذ نحو عامين، تشهد محافظة شبوة (جنوب شرقي اليمن) فوضى أمنية عارمة واقتتال وثارات قبلية لا تتوقف، وسط غياب تام لدور السلطة المحلية ومؤسسات الدولة، حيث لا يكاد يمر يوما، دون أن تحدث اشتباكات قبلية أو حالات قتل جنائية، أو اعتداءات على ممتلكات المواطنين، دون وجود رادع لمرتكبي تلك الجرائم والانتهاكات.
وتصاعدت حدة الجرائم والنزاعات القبلية في شبوة، منذ أغسطس/آب 2022 بعد أن فرضت التشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي سيطرتها على المحافظة بدعم من دولة الإمارات عقب مواجهات مسلحة، شملت شن ضربات جوية ضد القوات العسكرية والأمنية الحكومية التي اضطرت إلى الانسحاب من مدينة عتق مركز المحافظة ومديريات أخرى.
وكان لذلك نتائج كارثية على السلم الأهلي والمجتمعي، حيث عملت تلك التشكيلات العسكرية غير النظامية على تقويض المؤسسة الأمنية والقضائية، وأنهت أي وجود للدولة، لتدخل المحافظة الغنية بالنفط في حالة من الفوضى والانفلات الأمني والاقتتال القبلي، بعد كانت قد شهدت استقرار وحراك تنموي لافت في السنوات الثلاث التي سبقت سيطرة الانتقالي على المحافظة.
نزاعات قبلية وفوضى التشكيلات
وقائع المواجهات المسلحة والثارات القبلية في شبوة قديمة ومستمرة، كانت أبرزها مؤخرا، الاشتباكات بين قبيلتي آل "أحمد بن فريد"، وآل "أبو بكر بن فريد"، في مديرية الصعيد، التي استمرت لأيام مطلع أغسطس الجاري، بعد أن أطلق مسلحون قبليون النار على سيارة مدير عام مديرية الصعيد الشيخ أبوبكر بن فريد، ما أسفر عن إصابة اثنين من مرافقيه، توفي أحدهم متأثرا بإصابته.
ورصد "يمن شباب نت"، منذ مطلع العام الجاري، سقوط 80 ضحية بين قتل وجريح، ناتجة عن جرائم جنائية وثارات قبلية واشتباكات مسلحة، ناهيك عن الانتهاكات والاعتداءات وجرائم القتل التي ترتكبها قوات العمالقة ودفاع شبوة التابعتين للمجلس الانتقالي الانفصالي، التي تحدث بشكل يومي دون حصر لها.
وثمة هناك أسباب كثيرة وراء تزايد حالات الاقتتال والفوضى التي تشهدها محافظة شبوة، وفق محسن الحاج مستشار محافظ شبوة، والذي قال إن أبرزها "تقاعس السلطة المحلية تجاه هذه القضايا وعدم قيام الأجهزة الأمنية بدورها لتثبيت الأمن والاستقرار".
وأضاف الحاج لـ"يمن شباب نت"، أن من الأسباب أيضا "الازدواجية الحاصلة في تكديس عشرات الألوية العسكرية في شبوة القادمة من خارج المحافظة، تسببت بعرقلة عمل الأجهزة الأمنية في داخل المحافظة من القيام بدورها".
وتابع: "تجد مثلا ألوية من قوات العمالقة وهي ألوية جلبت من خارج شبوة، تجدها مسيطرة على مديرية معينة أو عدة مديريات، فلا هي قامت بدور تثبيت الأمن والاستقرار، ولا هي تركت الأجهزة الأمنية من داخل المحافظة القيام بالدور المناط بها".
وأوضح الحاج، أن هذه "الأولوية تقوم غالبا بدور ومهام مشايخ القبائل بعقد صلح أو هدنة، وفي بعض الاحايين ترى قائد اللواء ينصب نفسه شيخا قبليا فيصدر الأحكام العرفية بين القبائل، لكن هذا الصلح أو الهدنة سرعان ما تنهار ويتجدد الاقتتال بين القبائل دون أن تحرك تلك الألوية ساكنا".
غياب السلطة المحلية
تراخي قيادة السلطة المحلية في شبوة، وغياب مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية، فتح المجال لعودة ظاهرة الثارات والاقتتال القبلي والجرائم الجنائية بشكل يومي، حيث يؤكد مستشار محافظ شبوة أن كثير من قضايا الثارات متراكمة منذ عدة سنوات.
وأضاف الحاج، لـ"يمن شباب نت"، أن خلال فترة المحافظ السابق "محمد بن عديو"، (التي استمرت نحو ثلاث سنوات) جرى تفعيل دور الأجهزة الأمينية والقضائية، بدورها حدت من عمليات اتساع الاقتتال والصراع الحاصل بالمحافظة حاليا.
وأكد الحاج أن دور السلطة المحلية في محافظة شبوة بقيادة عوض بن الوزير العولقي "سلبي إلى أبعد الحدود تجاه هذه القضايا، وقضايا المحافظة بشكل عام". وبالمثل يؤكد رئيس منتدى يزان للحد من الثأر، محمد الحامد، أن الثارات في شبوة قديمة ومستمرة منذ سنوات، مشيرا إلى أن الكثير منها في حالة سبات ولا يوجد فيها أي صلح.
وقال الحامد، لـ"يمن شباب نت"، إن "هناك بعض الأماكن في محافظة شبوة لا تنقطع فيها المواجهات المسلحة ويستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة، وأصبحت حروب منسية، مثل منطقة الحنك وبعض مناطق مديرية نصاب".
ما الحل؟
يرى رئيس منتدى يزان للحد من الثأر، محمد الحامد، إن حل قضايا الثارات القبلية في محافظة شبوة، "تحتاج إلى عمل أمني بامتياز"، لافتا إلى أن الحكومات المتعاقبة على هذه البلاد، تتجاهل القيام بعمل أمني.
وأضاف: "عندما تعمل مؤسسات الدولة يلجأ المواطنون إلى الأجهزة الأمنية والقضائية لحل قضاياهم، لكن مع غياب المؤسسة الأمنية والقضائية، يعود المجتمع والقبيلة إلى الدفاع عن نفسه أو أخذ بالثأر على طريقته"، داعيا إلى ضرورة القيام بحملات توعوية متعددة، والتوجيه بتوحيد الخطب في مساجد وجوامع المحافظة للتوعية بخطورة الثارات القبلية على المجتمعات.
من جانبه، أكد محسن الحاج أن "الثارات آفة مستفحلة وتحتاج إلى جهود وإمكانيات كبيرة ومؤسسات أمنية وقضائية فاعلة لإيقاف أي ثارات جديدة ومعالجة القضايا الماضية"، مشددا على أن ضبط الأمن وإنهاء الاقتتال القبلي والفوضى "يحتاج إلى دولة مركزية قوية تتبنى معالجة قضايا الثأر والكثير من القضايا الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع اليمني".