بعد اغتيال هنية.. كيف ستختار حماس قائدا جديدا للحركة؟

عربية

أثارت عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران، الأربعاء الماضي، العديد من التساؤلات حول الشخصية القيادية المرشحة لخلافته في هذا التوقيت الحساس، وآلية اختيارها.

 

وقالت حركة "حماس"، في بيان، السبت، إن قيادة الحركة باشرت بإجراء عملية تشاور واسعة في مؤسساتها القيادية والشورية لاختيار رئيس جديد للحركة بعد اغتيال هنية.

 

وذكرت الحركة، أنها "تمتاز بمؤسسيتها العالية، وشوريتها الراسخة التي عكستها الوقائع والأحداث خلال العقود الماضية التي شهدت استشهاد عدد من قياداتها، إذ كانت تسارع إلى اختيار بدائل عنهم وفق لوائح وأنظمة الحركة".

 

وأضافت أنه "منذ الساعات الأولى لعملية الاغتيال الصهيونية الآثمة والإجرامية التي استهدفت هنية تداعى المكتب السياسي لحماس وهيئة مجلس شوراها، إلى اجتماعات عاجلة سادتها المعاني الإيمانية والأخوية".

 

والأربعاء، أعلنت "حماس" وإيران اغتيال هنية، بغارة جوية إسرائيلية استهدفت مقر إقامته في طهران، غداة مشاركته في حفل تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان، فيما لم تتبن تل أبيب ذلك حتى الساعة.

 

وتوعدت كل من "حماس" وإيران بالرد على عملية الاغتيال، فيما تتواصل اتصالات ومساع دولية للتهدئة خشية توسع الصراع في المنطقة.

 

ومن المقرر أن يتولى المرشح الجديد، رئاسة المكتب السياسي وهو الهيئة التنفيذية لـ"حماس"، والذي تأسس عام 1989، وفق ما يذكر مهيب سليمان أحمد النواتي في كتابه "حماس من الداخل"، الصادر عام 2004.

 

وكان صاحب فكرة تأسيس المكتب رئيس مكتب العلاقات الدولية في حركة حاليا موسى أبو مرزوق، أحد الوجوه المشاركة في مرحلة تأسيس التنظيم، وذلك بعد موجة اعتقالات إسرائيلية طالت قيادات، منها رئيس ومؤسس الحركة الراحل الشيخ أحمد ياسين الذي لم يفرج عنه حتى عام 1997.

 

** آلية اجراء الانتخابات

 

وتجرِي الحركة انتخاباتها الداخلية كل أربع سنوات، في ظروف محاطة بالسرية التامة، نظراً لاعتبارات تتعلق بالملاحقة الأمنية من قبل إسرائيل.

 

وتتوزع الانتخابات على ثلاثة أقاليم، هي: قطاع غزة، والضفة الغربية، وإقليم "الخارج" (خارج الأراضي الفلسطينية).

 

وتشمل انتخابات حماس الداخلية عدة مراحل، وبشكل تصاعدي، أولها انتخاب مجالس "شورية محلية" على مستوى الأحياء، تنتخب مجالس "شورية كُبرى" على مستوى المحافظات.

 

وتنبثق عن هذه المجالس هيئات إدارية، وصولاً لانتخاب مجلس شورى عام على مستوى كل إقليم، ثم رئيس الحركة في الإقليم، وانتهاءً بتنسيب قيادة كل إقليم في الحركة، عددًا من أعضائها لشغل عضوية "اللجنة التنفيذية" (المكتب السياسي)، وهي أعلى جهة قيادية، يتزعمها رئيس المكتب السياسي للحركة.

 

وتجرى هذه الانتخابات دون السماح بالترشح أو ممارسة دعاية انتخابية، وإنما يكون الترشح تلقائياً للشخصيات التي تشغل مرتبة معينة وفق التسلسل التنظيمي بالحركة، وتعتمد السرية التامة في إجرائها، وتشمل كافة المستويات الإدارية والشورية.

 

ولا تبادر قيادات الحركة بترشيح نفسها للمواقع القيادية، بل يرشح أعضاء مجلس الشورى المنتخب من يرونه مناسبًا لرئاسة المكتب السياسي، في ذات يوم الانتخاب، ومن يحوز على أعلى أصواتهم يصبح زعيمًا للحركة، ولذلك يعود قرار انتخاب قائدها للمؤسسة الشورية.

 

وشهدت انتخابات "حماس" في غزة عام 2021، تطوراً لافتاً، حيث تم الإعلان رسميًا عن أسماء أعضاء المكتب السياسي المنتخبين لأول مرة، ونشر موقع الحركة الإلكتروني الرسمي صورة جماعية لهم.

 

وجرت آخر عملية انتخابية وفق آلية اعتمدت للمرة الأولى إدراج أسماء من مضى على عضويتهم 15 عاما ضمن من يحق انتخابهم، بعدما اقتصر الانتخاب في السنوات السابقة على من يحصل على رتبة رقيب، وهي أعلى رتبة تنظيمية في حركة "حماس".

 

وبينما تتمتع "حماس" في غزة بكامل حرية العمل التنظيمي، ويتم ذكر أسماء قيادتها فيها علنا، تخضع الحركة في الضفة الغربية لاعتبارات تجعل اتباع السرية في العمل التنظيمي أمراً حتمياً، تجنباً للملاحقة من إسرائيل.

 

** تسلسل تاريخي

 

وتولّى أبو مرزوق منصب أول رئيس للمكتب السياسي من 1992 إلى 1996.

 

وتسلّم خالد مشعل رئاسة المكتب السياسي من 1996 إلى 2017، وانتخب اسماعيل هنية رئيساً للمكتب السياسي خلفاً لمشعل عام 2017.

 

وشهدت انتخابات 2021 تعيين 16 عضواً في المكتب السياسي، مع حفاظ هنية على منصبه كرئيس للمكتب السياسي وانتخاب صالح العاروري نائبا له، وبقاء يحيى السنوار في منصبه رئيسا للحركة في غزة.

 

لكنّ الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزّة شهدت اغتيال كلّ من العاروري في بيروت، وهنية في طهران، في هجومين اتهمت حماس إسرائيل بتنفيذهما.

 

وفي 2 يناير/ كانون الثاني الماضي؛ أعلنت "حماس" اغتيال العاروري و6 آخرين، بينهم 2 من قادة القسام و4 من كوادر الحركة، باستهداف مقر الحركة في الضاحية الجنوبية بالعاصمة اللبنانية بيروت، بثلاثة صواريخ من مسيرة إسرائيلية.

 

** مرحلة حساسة

 

ويقول المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون، إنّ "شغور منصب النائب الأول لرئيس المكتب السياسي لحماس، بعد اغتيال إسرائيل لصالح العاروري، يعقد الأمور في ظل هذه المرحلة الحساسة".

 

وأضاف المدهون، لمراسل الأناضول: "الخيارات أمام حماس، إما يتم التوافق على تكليف أحد نواب هنية بتسيير المهام أو الذهاب إلى عملية انتخاب أحدهما، لكن هذا الأمر يحتاج إلى مزيد من المشاورات الداخلية".

 

ويتوقع أن "يسير مهام رئيس المكتب السياسي للحركة حاليًا، أحد نائبيه الاثنين إما نائبه في غزة يحيى السنوار، أو نائبه في إقليم الخارج خالد مشعل".

 

وتابع المدهون: "ما يميز حماس أنها حركة مؤسساتية ولديها مجلس شورى فاعل وقادر على ترميم ما يصيب الحركة من ضرر بفعل العدوان الإسرائيلي، ولذلك يمكن لهذه المؤسسات أن تستمر في ظل الحرب الضروس دون اهتزاز او إشكاليات".

 

وأشار إلى وجود حالة توافق عام داخل "حماس".

 

ولفت المدهون إلى وجود استحقاق انتخابي للحركة العام القادم، مستدركًا بالقول: "لكن حرب الإبادة في غزة واستهداف قيادة حماس قد يفرض عملية تأجيل تتوافق عليه المؤسسات الشورية داخل الحركة، لأنه فعليًا لا يمكن الذهاب إلى انتخابات شاملة في ظل الوضع الراهن".

 

وأضاف: "حركة حماس تتميز بأن لديها مخزون من القيادات المركزية القوية والثابتة مثل خالد مشعل ويحيى السنوار وخليل الحية وموسى أبو مرزوق ونزار عوض الله وزاهر جبارين وآخرون غير معروفين والذين يمكن أن يسيروا هذه المرحلة".

 

ولم يستبعد المدهون إمكانية أن تتجه الأمور إلى ترتيبات أخرى، وأن يأخذ مجلس الشورى ورئيسه دورا مهما في المرحلة الانتقالية فحماس حركة قوية قادرة على أن ترمم مواقعها القيادية ولديها القدرة على مواجهة الضغوط والاستهداف".

 

وأضاف: "إنّ حماس تعرضت لاغتيال صفها القيادي الأول في قطاع غزة عام 2004، الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وإسماعيل أبو شنب وغيرهم، حيث أخفت حينها رئيسها بعد استشهاد الرنتيسي وأدارت الأمور بسرية تامة".

 

وبدعم أمريكي تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول حربا مدمرة على غزة خلفت أكثر من 130 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.

 

وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل تل أبيب الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.