اليمن: تعد ناقلة النفط “صافر” الراسية منذ سنوات قبالة السواحل الغربية لليمن المطلة على البحر الأحمر، بمثابة قنبلة بيئية موقوتة، تهدد بواحدة من أكبر الكوارث العالمية في حال انفجارها أو حدوث تسرب منها.
ومنذ سنوات، تطالب الحكومة اليمنية المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لحل أزمة خزان “صافر”، والضغط على جماعة “الحوثي” بكافة الطرق من أجل صيانة الناقلة، لكن دون جدوى.
والخميس، حمل مجلس الأمن الدولي الجماعة، مسؤولية حالة ناقلة النفط، معربًا عن “القلق البالغ إزاء تنامي خطر عطل الناقلة أو انفجارها، مما يتسبب في كارثة بيئية واقتصادية وبحرية وإنسانية” للبلاد والمنطقة.
جاء ذلك في “نقاط إعلامية” تلاها رئيس مجلس الأمن السفير الإستوني، سيفن يورجنسن، على الصحافيين بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، عقب انتهاء جلسة مشاورات مغلقة للمجلس، عبر دائرة تلفزيونية؛ حول وضع الناقلة.
وليست هذه الجلسة الأولى التي يعقدها مجلس الأمن حول أزمة الناقلة، حيث عقد لأكثر من مرة جلسات سابقة بهدف العمل على حل قضية ناقلة صافر.
وجاءت الجلسة الأخيرة بعد يومين من إعلان جماعة الحوثي، الثلاثاء، أن جهود حل أزمة الناقلة وصلت إلى “طريق مسدود”، والأربعاء، اعتبرت الأمم المتحدة موقف الجماعة “مخيبا للآمال بشكل واضح”.
ما هي ناقلة “صافر” ؟
هي سفينة عائمة لتخزين النفط وتفريغه، ترسو في الشاطئ الغربي لليمن على بعد 8 كيلومترات إلى الشمال الغربي من ميناء “رأس عيسى” بمحافظة الحديدة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وترسو الناقلة بشكل دائم منذ أكثر من 30 عاماً، وتعود ملكيتها إلى شركة النفط اليمنية الحكومية “صافر لعمليات إنتاج واستكشاف النفط”.
وقبل اندلاع الحرب اليمنية نهاية 2014، كان الخَّزان العائم يُستَخدَم لتخزين النفط الوارد من الحقول المجاورة لمحافظة مأرب (وسط) وتصديره، فيما سيطر الحوثيون على المنطقة التي يرسو فيها الخزَّان نهاية 2014.
وتبلغ حمولة الناقلة بحسب التقارير الأممية أكثر من 1.1 مليون برميل من النفط، ولم تجر أعمال الصيانة الدورية على الناقلة منذ تصعيد النزاع عام 2015، مما أدى إلى تدهور حالة هيكلها ومعداتها ومنظومات تشغيلها، وهو ما يجعلها عرضة لخطر تسرب النفط أو الانفجار أو الحريق.
مخاطر بيئية كارثية
تحذر جهات أممية ودولية، بشكل متكرر، من مخاطر بيئية كارثية قد تطال المصالح العالمية، في حال حدوث تسرب للنفط من الناقلة.
وحسب تقرير نشرته الأمم المتحدة عبر موقعها في 30 ديسمبر/كانون الأول 2020، فإن تسرب النفط من الناقلة ستكون له آثار بيئية كارثية وستترتب عليه عواقب إنسانية وخيمة.
وذكر التقرير أن الأبحاث التي أجراها خبراء مستقلون تشير أنَّ أي تسرب كبير سيتسبب في الكثير من الضرر للمنظومات البيئية في البحر الأحمر التي يعتمد عليها قرابة 30 مليون شخص بمن فيهم ما لا يقل عن مليون و600 ألف يمني.
وأفاد التقرير بأنه سوف يطال الأثر مصايد الأسماك على طول الشاطئ اليمني الغربي خلال أيام، مما سيؤدي لانهيار سبل كسب الرزق الخاصة بالمجتمعات المحلية القائمة على الصيد البحري في الوقت الذي يعتمد فيه 90 بالمئة من سكان تلك المجتمعات على المساعدات الإنسانية بالفعل.
وحذر التقرير من أنه إذا اشتعلت النيران على ناقلة النفط “صافر” لأي سبب كان، فقد يتعرض أكثر من 8.4 ملايين شخص لمستويات مرتفعة من المواد الملوثة.
وفي أسوأ السيناريوهات الممكنة، قد يؤدي تسرب النفط إلى الإغلاق الفوري لميناء الحديدة الحيوي، وهو ما يقدر تأثيره بالتسبب في ارتفاع كبير في أسعار الغذاء والوقود وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية الحيوية إلى ملايين اليمنيين، حسب التقرير.
تضرر التجارة العالمية
تقول تقارير أممية إنه من المرجح أن تتضرر الدول المشاطئة للبحر الأحمر بما فيها جيبوتي وإريتريا والسعودية إذا حدث تسرب من الناقلة، مما قد يضر أيضاً بحركة التجارة في البحر الأحمر، وهو واحد من أكثر المسارات البحرية نشاطاً في العالم إذ يمثل قرابة 10 بالمئة من التجارة العالمية.
هذه التأثيرات المحتملة أدت إلى استمرار مناداة المنظمات الأممية ودول فاعلة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، بضرورة العمل على صيانة الناقلة.
كما كانت القضية محل اهتمام في كثير من النقاشات الدولية والأممية التي تبحث سبل حل أزمة اليمن بشكل عام.
كارثة قد تطال الصيادين
تقول جمعية “حلم أخضر” البيئية اليمنية (خاصة) إن الصيادين في الساحل الغربي للبلاد، تتربص بهم كارثة بحرية وشيكة في حال حدوث تسرب من ناقلة النفط.
وأفادت في تقرير نشرته عبر موقعها في مارس /آذار 2021، أن عدد اليمنيين العاملين في قطاع الصيد حوالي 126 ألف صياد، يعملون في مراكز الإنزال السمكي المنتشرة في مناطق البلاد الساحلية.
ويعد الشريط الساحلي الغربي في البحر الأحمر، من أكبر مجتمعات الصيد التقليدي في اليمن، حيث يعمل فيه قرابة 78 ألف صياد، معرضة أعمالهم للخطر حال تسرب الناقلة، حسب التقرير.
تضرر 100 جزيرة يمنية
وزير النفط والمعادن اليمني السابق أوس العود، أفاد في نوفمبر /تشرين الثاني 2020 أنه في حال تسرب أو انفجار السفينة، ستؤدي إلى كوارث بيئية مخيفة يصعب على العالم التعامل معها، ومنها القضاء على التنوع البيولوجي والبيئي في أكثر من 100 جزيرة يمنية.
وأضاف حينها في بيان أن الأمر سيؤدي إلى إحالة عشرات الآلاف من الصيادين اليمنيين إلى البطالة، والقضاء على مئات الأنواع من الأسماك والمخزون السمكي.
اتفاقات بلا تنفيذ
منذ العام الماضي تم الإعلان عدة مرات عن اتفاق الأمم المتحدة مع الحوثيين بغرض صيانة ناقلة صافر، غير أنه لم يحصل أي تقدم في مسألة التنفيذ.
ففي 13 يوليو/تموز 2020، أعلنت الأمم المتحدة تلقيها إفادة من الحوثيين بموافقتهم على فحص خزان صافر النفطي.
وفي 22 من الشهر نفسه، قالت جماعة الحوثي إن الأمم المتحدة خالفت اتفاق تقييم خزان صافر، وطالبت بتدخل طرف دولي ثالث لحل الأزمة، فيما اتهم مسؤولون أمميون الجماعة بأنها تتلكأ في حل الأزمة.
واستمرت بعدها المفاوضات بين الطرفين، حتى أعلنت الأمم المتحدة، في 23 نوفمبر /تشرين الثاني 2020 تلقيها رسالة من الحوثيين، تؤكد موافقتهم على وصول فريق من الخبراء الدوليين لتفقد الناقلة، وهو الأمر الذي أكدته الجماعة.
وفي 11 ديسمبر/ كانون الأول أعلنت الأمم المتحدة أن خبراءها الفنيين سيصلون إلى اليمن لصيانة خزان صافر في يناير/ كانون الثاني 2021، فيما أعلنت الأمم المتحدة في 28 يناير 2021 تأخير وصول الخبراء بسبب “مشاكل إجرائية”.
وقال متحدّث المنظمة الأمميّة، ستيفان دوجاريك، للصحافيين حينها: “في الوقت الحالي، نعتقد أنّه يمكننا الذهاب إلى اليمن بحلول مطلع مارس/ آذار، لكن لم يتم ذلك بسبب استمرار الخلافات بين الأمم المتحدة والحوثيين على آلية تنفيذ الصيانة ووصول الخبراء”، دون تفاصيل أكثر.
وعلى الرغم من استمرار المفاوضات حول الأزمة غير أنه لا بوادر قريبة تنبئ عن حل القضية، سيما أن جماعة الحوثي أعلنت الثلاثاء أن المشاورات مع الأمم المتحدة وصلت إلى طريق مسدود.
فيما تتهم الأمم المتحدة الحوثيين بوضع عراقيل أمام صيانة الناقلة وعدم تقديم ضمانات.
وأمس الخميس، أبلغ مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، مجلس الأمن الدولي أن وصول فريق الأمم المتحدة إلى ناقلة النفط “صافر” قد يستغرق أسابيع بحال تقديم كافة الضمانات من جماعة الحوثي.
وأفاد بأن “وضع الناقلة يتسم بالخطورة في ظل غياب أي صيانة منذ أكثر من ست سنوات، حيث هناك فرصة كبيرة لتراكم الغازات القابلة للاشتعال في موقع وقوفها”.
(الأناضول)