إيران والميليشيات الطائفية والحركة الحوثية وإمكانية تحقيق السلام في اليمن التهدئة أم السلام؟
وضع اليمن الآن غارق في الإشاعات وشغل المطابخ الإعلامية والذباب الاليكتروني والإكليشيهات والرطانات المعلبة للمسؤولين.
وهناك حالة هدوء في التشويش والملاسنات الإعلامية هذا اليوم، تسمح لنا بترف التعمق بتركيبة الطرف "الحوثي-الإيراني" والتأمل باحتمال تحقيق السلام بين هذا الطرف والطرف اليمني-السعودي في الجانب الآخر.
أعيد وأكرر أن موضوع اليوم ليس عنا نحن طرف الشرعية اليمنية الذي تدعمه السعودية والإمارات الذي نتكلم عنه كل يوم.
سنبدأ بالتفريق بين التهدئة والسلام.
ثم ننتقل للبحث عن امكانية قبول الطرف "الحوثي-الإيراني" بالتهدئة أو السلام. هل سيقبل الحرس الثوري الإيراني بالسلام التفاوضي في اليمن؟ هل سيقبل فيلق القدس بالسلام التفاوضي في اليمن؟ هل سيقبل الحوثيون بالسلام التفاوضي في اليمن؟
** أولا: التهدئة أم السلام؟ **
التهدئة * هناك جهود الآن للبحث عن التهدئة في اليمن.
وهذا ممكن فقط إذا تمت مراضاة الحوثيين بتنازلات من رئاسة الشرعية اليمنية والسعودية في المشاركة بدخل نفط وغاز مارب وحضرموت وفي تيسير وصول خبراء إيران مباشرة إلى مطار صنعاء من بومباي في الهند أو غيرها وحرية دخول النفط الإيراني المجاني والسلاح وقطع تركيب الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية عبر ميناء الحديدة.
الخلاصة: التهدئة ممكنة ولكن بتهافت واضطرار من قيادات اليمن والسعودية.
السلام * السلام "الحقيقي"، يعني: ١-استبعاد أطماع العصبيات السلالية والقبلية والمناطقية بالسيطرة والهيمنة والهنجمة على اليمن. (وهذا لن يتخلى عنه الحوثيون)
٢- اعتماد سيادة القانون والدستور في اليمن. (وهذا لن يوافق عليه الحوثيون)
٣- تشكيل جيش وطني من كل اليمن وتسريح الميليشيات. (وهذا لن يوافق عليه الحوثيون)
٤- التخلص من علاقة الحوثيين بإيران. (وهذا لن يوافق عليه الحوثيون والإيرانيون)
٥- تخلي إيران عن سياسة التوسع في البلاد العربية. (وهذا لن يوافق عليه الإيرانيون)
الخلاصة: السلام التفاوضي، مستحيل.
الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس والحوثيين، لا يمكن التوصل معهم للسلم الحقيقي في اليمن عن طريق التفاوض والتنازلات والوساطات.
السلام الحقيقي، سيتحقق فقط عندما يتم تحييد القوة المسلحة لكل من الحوثيين والإيرانيين داخل اليمن.
لا توجد مشكلة حقيقية في التعامل مع النفوذ السعودي داخل اليمن ولا بكبح مظاهر النشاز والخصام داخل مكونات الشرعية اليمنية وميليشياتها لأنها كلها يمكن أن تختفي بشخطة قلم من السعودية والإمارات.
** ثانيا: الحرس الثوري الإيراني **
١- أقوى من وزارة الدفاع وهو مستقل ويتبع المرشد الأعلى خامنئي مباشرة. وهو المسؤول عن الطيارات المسيرة والصواريخ البالستية والمشروع النووي الإيراني. ويمتلك أكثر من نصف الاقتصاد والانتاج القومي الإيراني وكل مصادر الدخل الغير المشروع مثل السوق السوداء والتهريب اللذان هما من مصادر الدخل النقدي الهائل. وهناك فساد وإثراء غير مشروع وميزات كبرى، تجعل الحافز الشخص عند القادة قويا للمحافظة على الوضع القائم.
٢- مهمة الحرس: حماية نظام الملالي في إيران في الداخل بترويض وقمع الشعب الإيراني وفي الخارج بالتصدي لأي اعتداء من دولة أقوى من إيران مثل أمريكا.
٣- يقمع الحرس الثوري الشعب الإيراني ويروضه بمئات الألوف من أفراد "الباسيچ" الذين يتواجدون في كل حارة وكل شارع وكل بلدة وكل قرية بطول وعرض إيراني.
الباسيچ، يجعل من الصعب للغاية التخلص من نظام الملالي أو الحرس الثوري الإيراني من خلال مظاهرات أو حرب شعبية.
٤- ابتكر الحرس الثوري عقيدة عسكرية مشابهة لتلك التي في كوريا الشمالية إسمها الحرب اللامتماثلة Asymmetrical War لتخيل خوض حرب مع دولة أقوى منها بكثير تتلخص بالقبول بتضحيات كبرى والقبول بتدمير إيران مقابل القدرة على إلحاق الضرر الجسيم بقواعد أمريكا وجنودها في المنطقة وبمصالح أمريكا وعواصم أصدقائها الأثرياء من دول الخليج العربي وبالمنشآت النفطية وتهديد مصادر الطاقة وتركيع الاقتصاد العالمي وتهديد الممرات المائية وإطلاق العنان لميليشياتها الطائفية في البلاد العربية مع التخطيط لحروب طويلة المدى ضد المصالح الأمريكية.
الدولة الوحيدة التي يمكنها التصدي للحرس الثوري الإيراني، هي أمريكا. لكن أمريكا، لن تقبل أبدا بهذه العواقب التي ستلحق بها من جراء مواجهة الحرب اللامتماثلة مع الحرس الثوري الإيراني. ولا يوجد عند أمريكا الحافز الكافي الشخصي الأمريكي لخوض حرب مع الحرس الثوري الإيراني.
سيكون من المثير مراقبة ماذا ستفعل أمريكا فعلا إذا استفزت إسرائيل الحرس الثوري الإيراني وقامت بضرب منشآته النووية. الغالب، هو أن إيران لن تستعجل بالوصول بقدراتها النووية إلى نقطة حرجة. وبالمقابل فإن اسرائيل ومعها أمريكا ستتريثان كثيرا قبل القيام بضربة استباقية ضد إيران وستكتفيان بتشديد العقوبات الاقتصادية.
الحرس الثوري الإيراني، هو من سيحمي نظام الملالي الإيراني إذا قررت أي دولة- مثل أمريكا- معاقبة إيران عسكريا من نشاط توسعات "فيلق القدس" في البلاد العربية.
** ثالثا: فيلق القدس **
فيلق القدس، يتبع المرشد الأعلى خامنئي مباشرة. قائد فيلق القدس، هو من يتخذ قرارات الحرب والسلام في البلاد العربية وهو لا يأتمر لقائد الحرس الثوري ولا لوزير الدفاع الإيراني.
قاسم سليماني * الذي أنشأ فيلق القدس وابتكر هذا الاختراع هو قاسم سليماني الذي تم قتله بأمر من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وبالتعاون مع اسرائيل.
حروب إيران الطائفية * فيلق القدس، مهمته خوض الحروب خارج إيران والقيام بالتوسعات العسكرية في البلاد العربية. هذا هو الابتكار الإيراني الذي نتج عنه أقوى الابتكارات المميتة ضد البلاد العربية: "الميليشيات الطائفية". حزب الله في لبنان والعلويون في سوريا والحشد الشعبي في العراق والحوثيون في اليمن.
المسؤول في الطرف الإيراني الذي يمكن أن يكون له تأثير على شروط التهدئة التي يبحث عنها مبعوث الأمم المتحدة جروندبيرج ومبعوث أمريكا ليندركنج هو: فيلق القدس.
وربما يكون فيلق القدس، شريك أساسي في وضع شروط تجديد الهدنة وتخيل حالة اليمن في حالة اللا سلم واللا حرب تحت ما يسمى بالتهدئة.
لا سلام في اليمن * ولا يمكن أن يقبل فيلق القدس التابع للمرشد الأعلى مباشرة استحقاقات السلام الحقيقي التي ذكرناها أعلاه.
فيلق القدس وحزب الله الشيعي اللبناني، لم يقوما بكل هذا الإنجاز في اليمن ليسلماه عن طيب خاطر من أجل أن ينعم اليمنيون بالاستقرار والسلام.
** رابعا: الحوثيون **
إبراز دور إيران وفيلق القدس وحزب الله اللبناني، لا يعني التقليل من أهمية الأداء الحوثي الذي يرتكز على:
١- الحماس السلالي وعلى رأسهم أسرة الحوثي بأنهم على وشك إنشاء جمهورية ملكية على طراز المرشد الأعلى الإيراني تحت قيادة عبد الملك الحوثي وورثته.
٢- إثارة هوس العصبيات الشمالية الثلاث: السلالية والقبلية والمناطقية بحقهم بالسيطرة والهيمنة والاستغلال لكل مناطق اليمن الأخرى بالغصب.
٣- الارتكاز على قواعد البيانات والمعلومات والخبرات والجيش والمخابرات والأمن والدولة العميقة التي ورثها عن النظام السابق.
٤- الفقر. يجب ألا نغفل دور الفقر والجوع الذي تفاقم واستفحل بسبب التمرد الحوثي والذي يجعل من كتل بشرية عريضة مستعدة لخوض الحرب في صفوف الحوثي مقابل كيس دقيق وكيس قات صغير ومرتب ضئيل.
٥- القمع. الحوثي، يستعمل نفس أساليب "الباسيچ" داخل إيران لقمع الشعب اليمني الذي يقع تحت حكمه.
الباسيچ الحوثيون في اليمن، قد أطلقوا عليهم إسم: "اللجان الشعبية".
** خامسا: يمكن انتزاع السلام "الحقيقي" **
السلام "الحقيقي"، لن يأتي بالوعود أو بالتفاوض أو بالوساطة العمانية والأممية والأمريكية أو بالشفقة أو بالبكاء أو بالمنحة أو بحسن النية. كل هذا غير ممكن.
السلام الحقيقي، يتحقق بالبذل والذكاء والتضحيات. وهذا ممكن.
السلام الحقيقي مثل الشرف الرفيع: "لا يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم". وهذا ممكن.
أول خطوة نحو السلام الحقيقي هي تنظيم وتوحيد قوى الشرعية المدنية والعسكرية. وهذا ممكن.