مع استمرار الضربات الأمريكية على مواقع الميليشيا الحوثية، تبرز تساؤلات جوهرية وسط كثرة التحليلات والتوقعات: هل نحن بصدد لحظة تحول حقيقية؟ وهل باتت معركة الخلاص من المشروع "السُلالي/ الخميني" وشيكة؟ أم أننا أمام مرحلة جديدة لإعادة ترتيب "البيت اليمني" وفقًا لرغبات وتوجهات القوى الإقليمية المؤثرة في القرار اليمني؟
خلال الأسابيع الماضية، تحدثت صحف أجنبية عن احتمالية إطلاق عملية برية وشيكة ضد الحوثيين، بالتزامن مع استمرار الضربات الأمريكية، التي تأتي ضمن استراتيجية ردع أذرع إيران وكبح تمددها في المنطقة. غير أن كل من السعودية والإمارات، اللتين تقودان تحالفا عسكريا في اليمن ضد الحوثي منذ 2015، سارعتا إلى نفي مشاركتهما في أي عمل عسكري قادم في اليمن. فهل يرتبط هذا النفي بهواجس أمنية متصاعدة في الرياض وأبو ظبي، خشية التعرض لضربات حوثية أو انتقام إيراني. خاصة في حال أقدمت واشنطن على استهداف منشآت إيران النووية؟
زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان الأخيرة إلى طهران، برفقة السفير السعودي إلى اليمن محمد آل جابر، لا يمكن فصلها عن التقارب الأخير بين البلدين، المدعوم بتفاهمات أمنية واقتصادية. وقد يُقرأ ذلك في سياق مساع لتحييد الجبهات المشتعلة، وعلى رأسها اليمن، والانتقال نحو توازنات جديدة قائمة على الشراكة لا المواجهة.
أما الاستراتيجية الأمريكية، فهي واضحة: حماية مصالحها وتقليم أظافر الحوثيين لتأمين طرق التجارة الدولية. استعادة الدولة اليمنية أو الانخراط في تفاصيل الحرب الداخلية لا تدخل ضمن أولوياتها، كما صرح بذلك وزير الدفاع الأمريكي ماركو روبيو.
وفي ظل هذا الحراك الإقليمي والدولي، يبقى التساؤل الأهم: أين القوى الوطنية؟ هل ستُحسن استغلال هذه الفرصة، أم ستفرط بها؟ وهل يمكنها إنجاز معركة استعادة الدولة دون غطاء خارجي؟
الحقيقة أن المشهد معقد ومتشابك. الوطن مستباح، والحوثية في أضعف حالاتها، والشعب يرزح تحت وطأة الظلم والتجويع، ولا يحتاج إلا لشرارة تُشعل جذوة الانتفاضة. في المقابل، تمر منظومة الشرعية بمرحلة ضعف وهوان، بعد أن سلّمت قرارها للخارج، وفرطت في مسؤولياتها وواجباتها.
لكن ما يزال في الميدان قوى حية، أياد على الزناد، يُحركها الإخلاص والتجرد والتضحية لهذا الوطن. فهل بوسعها قلب الطاولة، والتخلص من أثقال الأجندات الخارجية التي أثقلت المعركة وأطالت أمد الأزمة؟ وكما أثبتت الثورة السورية، رغم تعقيداتها؛ أن النصر يبدأ بإرادة داخلية حقيقية، وتحرر من قبضة القيادات التي فقدت صلتها بالأرض..
دعنا من المثالية، ولنسأل بواقعية: ما هي الممكنات الراهنة لاقتناص هذه الفرصة، واستعادة العاصمة صنعاء؟
ثمة ثلاثة خيارات، يمكن الحديث عنها، هنا: -
ـ أولاً: استكمال التأهب والاستعداد الميداني، والاعتماد على الذات، مع الحفاظ على جذوة المقاومة متقدة مهما بلغت الصعوبات والمخاطر.
ـ ثانياً: الضغط الشعبي على مجلس القيادة والحكومة للقيام بواجباتهما، أو التنحي وترك المجال لمن هو أهلا للمعركة.
ـ ثالثاً (وهو الخيار الأمثل في نظرنا): الحاجة إلى شخصية وطنية حاسمة، تخرج عن النص والخطوط المفروضة من الخارج، وتبدأ بتنحية القيادات التي فرطت في الثوابت، وإحالتها للمحاكمة، ثم تخوض المعركة مع أبطال الداخل، المتأهبين، حيث سيتوحد خلفها الشعب بكل أطيافه.