قرار حوثي بتعيين خريجي دورات شرعية في المحاكم يثير مخاوف على استقلال القضاء اليمني

عامة

في خطوة وُصفت بأنها مؤشر خطير على التدهور العميق في استقلال القضاء اليمني، أصدرت هيئة التفتيش القضائي التابعة لما يُعرف بـ مجلس القضاء الأعلى في صنعاء قرارًا يقضي بتوزيع خريجي دورة تأهيلية لعلماء الشريعة على عدد من المحاكم تمهيدًا لتعيينهم في السلك القضائي.

ووفقًا لتقرير صادر عن المركز الأمريكي للعدالة (ACJ)، فإن القرار يمثل نمطًا ممنهجًا لتقويض الحياد القضائي وتحويل مؤسسات العدالة إلى ساحات تدريب عقائدي تحت غطاء “التأهيل المهني”، في سياقٍ يعكس استمرار جماعة الحوثي في تسييس القضاء واختطافه من مساره المستقل.

وأكد المركز أن قيام هيئة التفتيش بتوزيع خريجين ذوي تكوين شرعي لا قضائي على المحاكم بهدف “التدريب تمهيدًا للتعيين” لا يعدّ مجرد تجاوز إداري، بل إعادة هندسة ممنهجة للبنية القضائية في مناطق سيطرة الحوثيين، تهدف إلى زرع عناصر مؤدلجة داخل مؤسسة يُفترض أن تكون مستقلة ومحايدة.

وأشار التقرير إلى أن هذا القرار يكشف اتجاهًا رسميًا لدى الجماعة نحو شرعنة استبدال القضاة المهنيين بخريجين من دورات شرعية ذات طابع مذهبي، في انتهاك واضح لمبدأ الفصل بين السلطات ولجوهر استقلال القضاء المنصوص عليه في الدستور اليمني وقانون السلطة القضائية والمواثيق الدولية، بما فيها مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية (1985).

كما ذكّر المركز بأن جماعة الحوثي كانت قد عدلت سابقًا قانون السلطة القضائية بما يمنح رئيس ما يسمى بـ المجلس السياسي الأعلى صلاحيات التعيين القضائي، وهو ما اعتُبر تجاوزًا صريحًا لمبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، مشيرًا إلى أن القرار الأخير يُعد امتدادًا لتلك التعديلات التي تهدف إلى إحكام السيطرة الكاملة على القضاء اليمني وتحويله إلى ذراع تنفيذية للجماعة وأداة للقمع السياسي.

وحذّر المركز الأمريكي للعدالة من أن هذا الإجراء سيفتح الباب أمام موجة جديدة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق المتقاضين، ويقوّض ثقة المواطنين بالمحاكم، ويكرّس نهج الإفلات من العقاب في ظل قضاء غير مستقل وغير نزيه.

ودعا المركز جماعة الحوثي إلى إلغاء القرار فورًا ووقف جميع مسارات التدريب والتعيين المبنية على معايير غير مهنية، مطالبًا بإعادة الاعتبار لمبدأ استقلال القضاء وفقًا للدستور اليمني والمواثيق الدولية التي تضمن حياد المؤسسات العدلية وتحصينها من التأثير السياسي.

كما حثّ الأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان والمقررة الخاصة باستقلال القضاة والمحامين على اتخاذ موقف حازم تجاه الانتهاكات الممنهجة التي تتعرض لها السلطة القضائية في مناطق سيطرة الحوثيين، داعيًا إلى موقف دولي واضح يرفض تسييس القضاء ويطالب بإعادة هيكلته تحت إشراف وطني مستقل وبضمانات مهنية حقيقية.

وختم المركز بيانه بالتأكيد على أن استمرار هذه الممارسات يهدد ما تبقّى من مقومات العدالة في اليمن، ويحوّل مؤسسات القضاء إلى أدوات للقمع الممنهج بدلًا من كونها وسائل لإنصاف الضحايا وتحقيق العدالة.