هل تحمي شركة «أبل» الخصوصية أم تخترقها؟

تكنولوجيا

نشرت مجلة «بوليتيكو» الأمريكية تقريرًا أعدَّه الصحافيان فينسنت مانانكورت ومارك سكوت تناولا فيه مشكلة الخصوصية في هواتف شركة «أبل»، إذ تتناقض انتقادات هيئة الرقابة الفرنسية الموجَّهة إلى الشركة الأمريكية العملاقة مع الحالة الفريدة التي رسمتها لنفسها فيما يتعلق بحماية الخصوصية.

وفي مستهل التقرير يشير الصحافيان إلى أن شركة «أبل» دأبت على رسم صورة لنفسها على أنها الفتى الذهبي لشرِكات التكنولوجيا العملاقة فيما يتعلق بحماية الخصوصية. لكن الآن يخْفُت بعض من هذا البريق.

مخالفة قوانين الخصوصية في الاتحاد الأوروبي

وأوضح التقرير أن وثيقة داخلية من الجهة المنظمة للبيانات في فرنسا اطَّلعت عليها مجلة «بوليتيكو» كشفت يوم الثلاثاء أن الممارسات الإعلانية المخصَّصة للشركة المُصنِّعة لـ«الآيفون» قد تتعارض مع قوانين الخصوصية في الاتحاد الأوروبي.

وجاء تحليل هيئة الرقابة الفرنسية، الذي لم يعثر على مخالفات، باعتباره جزءًا من تحقيق أجرته هيئة مكافحة الاحتكار في البلاد في ميزة «أبل» الجديدة لمكافحة التتبع. وستمنح هذه التغييرات، التي سوف تُصدرها الشركة الأمريكية قريبًا، المستخدمين القول الفصل في الكيفية التي تجمع تطبيقات الجهات الخارجية من خلالها بياناتهم وتستخدمها، الأمر الذي يثير انتقادات «فيسبوك» وغيرها من مطوري التطبيقات الناشئة بأن الشركة لا تتصرف على نحو نزيه وعادل.

ولكن وفي حين عبَّر المُنظِّمان الفرنسيان عن قبولهما بهذه الميزة الجديدة التي توفرها شركة «أبل»، والتي تُدعى «شفافية تتبع التطبيقات»، حمل تقييم هيئة مراقبة الخصوصية إدانة للممارسات الإعلانية الخاصة بهواتف الأيفون.

وكتبت «اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات (CNIL)» في وثيقتها الداخلية: «تتطلب معالجة إعلانات «أبل» الموافقة التلقائية عندما تتضمن هذه المعالجة قراءة البيانات أو كتابتها على جهاز المستخدم. وتشير ممارسات «أبل» إلى قصور في الحصول على الموافقة».

ويلفت التقرير إلى أن التقييم غير المُلزم – الذي صِيغ بحذر لأنه مصمم للحديث عن حالة أخرى، بدلًا عن توفير أسباب لإجراء تحقيق مستقل – يُلقي بظلال من الشك على بيانات اعتماد خصوصية «أبل».

«أبل» وسرقات مستترة

وقد هاجم تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» ، مرارًا شركات التكنولوجيا الكبرى التي تستفيد من جمع البيانات أو ما وصفها بـ«المجمع الصناعي للبيانات» (المجمع الصناعي هو مفهوم اجتماعي اقتصادي تتشابك فيه الشركات في النظم أو المؤسسات الاجتماعية أو السياسية؛ مما يخلق أو يدعم اقتصادًا ربحيًّا من هذه الأنظمة) وتوظفها في سرقات مستترة متمثلة في نماذج الإعلانات المتعطشة للبيانات في «جوجل» و«فيسبوك»، بينما كان يسعى إلى وضع شركته بوصفها مثالًا يُحتذى لفضيلة الخصوصية بالموازنة مع شركات أخرى.

وتؤكد انتقادات كوك المتكررة إلى أي مدى باتت العلاقات عدائية بين بعض أكبر الشركات في وادي السيليكون في الوقت الذي تسعى فيه تلك الشركات إلى التمركز على نحو معلن في القضايا الخلافية المثيرة للمشاعر، مثل الخصوصية والاستدامة وحقوق الإنسان.

وقال كوك لجمهورٍ عبر الإنترنت في يناير (كانون الثاني) بينما كان يدافع عن معايير حماية بيانات الخصوصية بالشركة: «في لحظة انتشار المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة التي تبثها الخوارزميات، لم يعد بإمكاننا التغاضي عن نظرية التكنولوجيا التي تقول: إن كل تفاعل هو مشاركة جيدة، وكلما طالت مدة العمل كان ذلك أفضل، وكل ذلك بهدف جمع أكبر قدر ممكن من البيانات».

ضربة لادِّعاء التفوق الأخلاقي

ونوَّه التقرير إلى أن إدخال ميزة مكافحة التتبع، والتي من المقرر أن تطرحها شركة «أبل» في نظام التشغيل «آي أو إس 14 (iOS 14)» في وقت لاحق من هذا العام، ليس سوى أحدث خطوة في مساعي الشركة لادِّعاء التفوق الأخلاقي بشأن الخصوصية. ولكن الآن يمكن أن ترتدَّ تلك الخطوة عليها.

وفي حين طُلب من «اللجنة الوطنية للمعلوماتية والحريات (CNIL)» الإبلاغ فحسب عن حالة تتعلق بالميزة، بدلًا من التحقيق في ممارسات الشركة الخاصة، قد يكون لتقييم الجهة الفرنسية المنظمة عواقب في وقت لاحق. ويمكن لهذا التقييم أن يكون له تأثير على شكوى تتعلق بالخصوصية قدَّمتها منظمة «فرانس ديجيتال» التي تضم أكثر من ألفي شركة فرنسية ناشئة في مارس (آذار).

وتتهم هذه الشكوى شركة «أبل» بانتهاك قواعد الخصوصية من خلال «الجمع المنتظم لموافقة المستخدمين تلقائيًّا على نظام التشغيل «آي أو إس 14 (iOS 14)» للمشاركة في الإعلانات المستهدفة على تطبيقاتها المحلية.

ولم تكن هذه المجموعة هي الوحيدة التي تستهدف الممارسات الإعلانية للشركة الأمريكية؛ فقد قدَّمت منظمة غير ربحية يقودها ماكس شريمز، الناشط النمساوي في مجال حماية الخصوصية، شكاوى في ألمانيا وإسبانيا تتهم فيها الشركة بانتهاك الخصوصية من خلال رموز أداة التتبع في هواتف الشركة. وتنفي الشركة ارتكاب أي مخالفات.

وأضاف التقرير أن شركة التكنولوجيا العملاقة تواجه تحقيقات متعلقة بالخصوصية تُجريها لجنة حماية البيانات الأيرلندية أكثر من تلك التي تواجهها شركة جوجل، بما في ذلك تحقيقات تتعلق بالممارسات الإعلانية. ودبلن هي الجهة التنظيمية الرئيسة في الاتحاد الأوروبي لكلتا الشركتين؛ حيث أُسِّس كل منهما على نحو قانوني في العاصمة الأيرلندية.

وبالنسبة لبعض المتابعين، فإن احتضان «أبل» للخصوصية على نطاق واسع يُخفي نظامًا بيئيًّا (مجموعة من الأجهزة التي تحتوي على برامج لإنشاء شبكة تعاونية واحدة. يستخدمه عديد من الشركات لإنشاء «عائلة» من المنتجات) يزدهر على استغلال المعلومات الشخصية بالطريقة ذاتها التي تزدهر بها شركات وادي السيليكون الأخرى. ورغم أن الشركة لا تقدم بيانات المستخدمين لجهات خارجية مثل ما تفعله «فيسبوك» و«جوجل»، فإن شركة «أبل» لديها خدمات رقمية واسعة وممارسات إعلانية لم تزل تعتمد على جمع المعلومات الرقمية للمستخدمين.

«أبل» واستخدام البيانات

يقول جوريس فان هوبوكين، من جامعة فريجي بروكسل، والذي يدرس شركات التكنولوجيا الكبرى: «على الرغم من أن «أبل» تتخذ الآن بعض الخطوات لتصبح أكثر صرامة فيما يتعلق بحماية الخصوصية، إلا أنها لم تزل تحقق أرباحًا كبيرة من إنشاء نظام بيئي، وهو نظام يمثل في حد ذاته انتهاكًا للخصوصية».

وأشار إلى مجموعات تطوير البرمجيات التي وضعتها شركة «أبل» والتي تسمح لمطوري الألعاب بالقيام بتنميط متعمق للمستخدمين، وهي الجهود التي تستفيد منها الشركة نفسها، موضحًا أن «لديهم هذا الحافز لتهيئة الظروف للبيانات الفائقة ونماذج الأعمال المتطفلة على الخصوصية من خلال التطبيقات، ومن ثم يستفيدون من ذلك مباشرة».

وفي معرض رده على النتائج التي توصَّلت إليها الهيئة التنظيمية الفرنسية، أشار متحدث باسم شركة «أبل» إلى بيان سابق جاء فيه أن «الخصوصية مُضمَّنة في الإعلانات التي نبيعها على منصتنا. ونحن نلتزم بمعايير أعلى من خلال السماح للمستخدمين بإلغاء الاشتراك في الاستخدام المحدود لبيانات الطرف الأول من «أبل» للإعلانات المخصصة، وهي ميزة تجعل خدمتنا فريدة».

لكن ليس الجميع على يقين من ذلك؛ فقد قال جوني رايان، ناشط في مجال الخصوصية غالبًا ما يتشابك مع «جوجل» بشأن ممارسات البيانات الخاصة بها: إن «حماية الخصوصية التي توفرها «أبل» أفضل من معظم أقرانها. ولكن لا ينبغي السماح لأي شركة، بما في ذلك «أبل»، باستخدام بيانات المستخدمين داخل إمبراطوريتها الرقمية بطرق يُحرَم الآخرون في العالم الأوسع من القيام بها».

ويقول رايان، زميل بارز في المجلس الأيرلندي للحريات المدنية: «ما نراه هو بيانات داخلية مستباحة للجميع»، موضحًا أن «استغلال البيانات داخل هذه الشركات أمرًا منتعشًا ومزدهرًا»، بحسب ما يختم التقرير.

رابط المادة الأصلية بمجلة «بوليتيكو» الأمريكية